التعبئة للمريخ: العلم الغريب للحياة في الفراغ

 


 "Packing for Mars: The Curious Science of Life in the Void" لماري روتش

مقدمة: العلم الغريب وراء الحياة في الفضاء

يستكشف كتاب "Packing for Mars" (2010) الجوانب المُهمَلة والغريبة لتجارب البشر في الفضاء، من خلال عدسة الكاتبة العلمية الساخرة ماري روتش. بدلاً من التركيز على الإنجازات التقنية، تتعمق روتش في التفاصيل "المُحرجة" التي تتجنبها وكالات الفضاء غالبًا: ماذا يحدث عندما تتقيأ داخل خوذة؟ كيف تذهب إلى المرحاض في انعدام الجاذبية؟ وهل يمكن ممارسة الجنس في الفضاء؟ باستخدام الفكاهة والفضول العلمي، تكشف روتش كيف أن هذه التحديات اليومية تشكل عقبات هائلة لاستكشاف الفضاء البشري .


الأقسام الرئيسية للكتاب

1. التحديات النفسية: العزلة والجنون والصراعات

  • تجارب العزل القاسية: تشرح روتش كيف تُحاكي وكالات الفضاء العزلة الطويلة عبر مشاريع مثل "مهمات المريخ الوهمية" على الأرض، حيث يعيش المتطوعون في ظروف ضيقة لشهور. إحدى التجارب في اليابان طلبت من المتقدمين كتابة يوميات كشرط للقبول، وكشفت هذه الكتابات عن ميول انتحارية وانهيارات عصبية بين المشاركين .

  • العلاقات المتوترة: في مهمة "سويوز" السوفيتية، وصل التوتر بين رواد الفضاء إلى حد رفض أحدهم التحدث مع زميله لأيام. تُعلق روتش: "في مساحة أصغر من حمام، حتى الحائط يصبح صديقاً أفضل من الإنسان" .

2. جسد الإنسان ضد الفضاء: تأثيرات فيسيولوجية مروعة

  • هشاشة العظام والعضلات: في الجاذبية الصغرى، يفقد الجسم 1-2% من كتلة العظم شهريًا، وتضعف العضلات لدرجة أن بعض الرواد عادوا إلى الأرض غير قادرين على المشي. تُشبه روتش هذه الحالة بـ"الشيخوخة المُسرعة" .

  • الغثيان الكوني: 70% من الرواد يعانون من "دوار الفضاء" بسبب تضارب الإشارات بين العينين والأذن الداخلية. تروي روتش حادثة مرعبة: لو تقيأ رائد داخل خوذته أثناء السير الفضائي، قد يختنق أو يغرق في القيء .

3. الحياة اليومية في الفضاء: من التغوط إلى النوم

  • كابوس المراحيض الفضائية: تخصص روتش فصلاً كاملاً لتصميم مراحيض الفضاء، التي تضمنت:

    • أكياس البراز: في مهمات "أبولو"، كان على الرواد التغوط في أكياس بلاستيكية ثم إضافة مبيد جراثيم لمنع الانفجار! تُسمي روتش هذه الظاهرة "تفرقع البراز" (Fecal Popcorning) .

    • كاميرات تصوير الشرج: في وكالة JAXA اليابانية، يستخدم الرواد مرحاضاً مزوداً بكاميرا لتوجيه وضعية الجلوس بدقة .

  • النوم العمودي: بدون جاذبية، ينام الرواد واقفين داخل حجرات تشبه الخزائن. تكتب روتش: "تخيل أن تغفو داخل تابوت واقف... ثم تستيقظ لتجد لعابك عائم حولك كفقاعات شيطانية" .

4. الطعام الفضائي: من معجون اللحم إلى براز البقر!

  • الابتكارات الغريبة: طوّرت ناسا طعاماً على شكل مكعبات أو معجون يُؤكل من أنبوب. لكن روتش تكشف أن الفكرة الأكثر إثارة للاشمئزاز كانت: برجر البراز! حيث حاول العلماء تحويل فضلات البشر إلى طعام عبر الهضم البكتيري، لكن المشروع أُلغي بسبب "خط أخلاقي" رسمته ناسا .

  • الطب البيطري في المطبخ: في مختبرات ناسا، يُدير الأطباء البيطريون مطابخ اختبار الطعام لأنهم "الأكثر دراية بتحليل مخاطر التلوث" .

5. النظافة الشخصية: رائحة كريهة لا تُغتفر

  • تجارب "الحد الأدنى للنظافة": في الستينيات، أجبرت ناسا متطوعين على عدم الاستحمام أو تغيير الملابس لمدة 4 أسابيع داخل كبسولة مُحاكية. وصلت الرائحة إلى حد جعل أحد المشاركين يصرخ: "هذا فظيع!" ثم يخلع خوذته بعد 10 ساعات فقط .

  • ملابس داخلية لمهمة كاملة: في مهمة "جيميني 7" (1965)، كان لكل رائد زوج واحد فقط من الملابس الداخلية لمدة أسبوعين. تكتب روتش: "التسرب الشرجي ليس صديقك هنا" .

6. الجنس في الفضاء: التابوه الأكبر

  • نقص الأدلة: تُقر روتش أن ناسا لم تُجرب الجنس في الفضاء رسميًا، لكنها تكشف عن:

    • أفلام إباحية فضائية: في التسعينيات، صوّر المخرج الألماني "ماركوس لينهوفر" ثلاثية أفلام جنسية في طائرة انعدام الجاذبية (Zero-G). النتيجة؟ صعوبة في الحركة وتعرق غزير بسبب نقص تدفق الهواء .

    • حبوب منع حمل فضائية: طوّرت ناسا حبوباً تعمل في الجاذبية الصغرى، لكن الرواد فضّلوا الحقن طويلة الأمد لتجنب "نسيان الجرعة" .

7. الموت والتضحيات: من الحيوانات إلى الجثث

  • الحيوانات الضحية: تروي روتش قصة الشمبانزي "هام" (أول كائن حي يُعاد حياً من الفضاء، 1961) و"إنوس" الذي مات بسبب الإجهاد بعد رحلته. تُعلق: "بطولاتهما نُسيت لصالح البشر" .

  • الجثث في خدمة العلم: لاختبار تحطم مركبات الفضاء، استخدمت ناسا جثثاً بشرية بدلاً من الدمى. إحدى الجثث ساعدت في تطوير كرسي قذفي ينقذ الرواد عند الإطلاق الفاشل .


الاستنتاج: هل المريخ يستحق كل هذا؟

تختتم روتش الكتاب بتساؤل فلسفي: هل المغامرة الفضائية تُبرر التكاليف الباهظة والمعاناة الإنسانية؟ جوابها نعم، لكن بشروط:

  • الاعتراف بالعبث: ترفض روتش رومانسية الفضاء، مؤكدة أن "الفضاء لا يحتوي على السامي والسخيف فقط، بل يمحو الخط الفاصل بينهما". فتجمد البول في الفضاء يصبح تحفة فنية عند إضاءة الشمس! .

  • دور "الغرابة" في التقدم: كل تفصيل مُحرج (كقياس انحناء البراز) هو حل لمشكلة قد تنقذ حياة بشر. كما تكتب: "وراء كل رائد فضاء، هناك 100 عالم يدرسون قيئه" .

مقولة مُلهمة من الكتاب:
"رحلات الفضاء لا تتعلق بالهروب من الأرض، بل بالاكتشاف المُتهور لحدود أجسادنا وعقولنا" .


النقد والأسلوب الأدبي

  • نقاط القوة: دقة البحث (شمل مقابلات مع علماء ناسا ورواد فضاء)، والموازنة بين الدعابة والعمق.

  • نقاط الضعف: بعض الفصول (مثل "الغثيان") تُبالغ في التفاصيل المُرعبة، وقد يجد القارئ أن الفكاهة "مُفتعلة" أحياناً .

  • الجوائز: صدر الكتاب كـ"الأكثر مبيعاً" في نيويورك تايمز، واختارته مكتبة سان فرانسيسكو كـ"كتاب العام" (2011) .


لمن هذا الكتاب؟

  • المُهتمون بعلم الفضاء من زاوية غير تقليدية.

  • المحبون للكتب العلمية الساخرة (مثل أعمال بيل برايسون).

  • الذين يتساءلون: "ماذا يحدث خلف كواليس ناسا؟"

باختصار، "Packing for Mars" هو احتفاء بالفضول الإنساني الذي يحوّل "القرف" إلى علم، والعبث إلى بطولة. كما تكتب روتش: "للاستكشاف ثمن... وغالياً ما ندفعه من راحتنا وكرامتنا

إرسال تعليق

0 تعليقات