حوارات حول الشريعة



  "حوارات حول الشريعة" لفرج فودة

 تحليل نقدي للخطاب الإسلامي السياسي

لمحة عن المؤلف والسياق التاريخي

فرج فودة (1945-1992) مفكر واقتصادي مصري، حصل على الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس، وانتقل من العمل الأكاديمي إلى الساحة الفكرية بسبب تصاعد المد الإسلامي السياسي في سبعينيات القرن الماضي، خاصة بعد اغتيال السادات ونجاح الثورة الإيرانية .

 عُرف بمناهضته للجماعات الإسلامية وتصديه لمحاولات أسلمة الدولة والمجتمع، ما أدى إلى اغتياله على يد الجماعة الإسلامية في 8 يونيو 1992 أمام مكتبه في القاهرة . 

يُعد كتاب "حوارات حول الشريعة" جزءاً من مشروعه الفكري الذي يضم أيضاً "الحقيقة الغائبة" و"قبل السقوط" و"نكون أو لا نكون"، ويهدف إلى تفكيك الخطاب الديني السياسي وإثبات عدم صلاحية الشريعة كنظام حكم في العصر الحديث.

الأطروحة المركزية: تفكيك ثنائية "الدين والدولة"

يرى فودة أن الدعوة إلى "تطبيق الشريعة" هي شعار غائم يخفي أهدافاً سياسية، ويؤكد أن الإسلام دين روحي وليس نظاماً سياسياً.

 يستند في ذلك إلى تحليل تاريخي يظهر تنوع أنظمة الحكم في العصور الإسلامية، من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض الأموي والعباسي، مما ينفي وجود نموذج موحد "للدولة الإسلامية". 

يرفض فودة مقولة "الإسلام دين ودولة" التي تروجها جماعات مثل الإخوان المسلمين، معتبراً إياها اختراعاً حديثاً يخدم أجندات السلطة، ويقول: "الدولة كانت عبئاً على الإسلام وانتقاصاً منه، وليست إضافة إليه" .

تحليل نقدي لتطبيق الشريعة: أربع إشكاليات جوهرية

  1. الإشكالية التاريخية: يحلل فودة فترات الخلافة الراشدة والأموية والعباسية ليظهر أنها لم تكن نموذجاً للعدل. يشير إلى أن تطبيق الشريعة في عهد عثمان بن عفان لم يمنع الفتنة التي انتهت بقتله على يد مسلمين، كما يذكر أن الخلافات بين الصحابة (مثل معارضة عائشة وعلي لعثمان) تثبت أن التمسك بالشريعة لا يضمن وحدة المجتمع أو استقرار الحكم .

  2. الإشكالية العملية: يسأل فودة: كيف تحل الشريعة مشاكل العصر مثل الأجور والإسكان والديون الخارجية؟ ويؤكد أن الإسلاميين يتهربون من تقديم برامج سياسية محددة، ويكتفون بالشعارات الفضفاضة كـ"الإسلام هو الحل". يرى أن التركيز على قشور الدين (مثل إطالة اللحى وحلاقة الشوارب) يشغل عن مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين .

  3. إشكالية النصوص: ينتقد فودة الاجتزاء الانتقائي للنصوص الدينية. فمثلاً، يشير إلى أن شرط "القرشية" في الحاكم (الذي استخدمه الأمويون والعباسيون) يتناقض مع ترشيح سعد بن عبادة نفسه للخلافة بعد النبي، مما يدل على غياب نظام واضح للحكم في الإسلام . كما يرفض استخدام الحديث النبوي "الإمامة في قريش" لتبرير الحكم الوراثي.

  4. إشكالية العنف: يربط فودة بين الخطاب الديني المتطرف وممارسات الجماعات المسلحة. يذكر أن العنف ليس رد فعل على القمع الناصري، بل هو امتداد لتنظيم الإخوان السري في الأربعينيات، مما يدل على جذوره الأيديولوجية .

العلمانية كبديل: فصل الدين عن الدولة لا عن المجتمع

يدافع فودة عن العلمانية كضمان للحريات وليس عدواً للدين، مفرقاً بين ثلاثة مستويات:

  • الدين: مجال شخصي روحي وأخلاقي.

  • المجتمع: مجال للتعددية الدينية والثقافية.

  • الدولة: مجال للقوانين الوضعية التي تحكم الجميع بإنصاف .

يؤكد أن الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام، مستشهداً بمواقف مفكرين مثل خالد محمد خالد والإمام الغزالي، لكنه ينتقد رفض التيارات الإسلامية لها بحجة أنها قد تشرع ما يخالف الدين . في كتابه "حوار حول العلمانية"، يرفض وصفها بـ"الكفر"، معتبراً إياها نظاماً لإدارة المجتمعات التعددية بروح التسامح .

مقارنة بين نموذجين للحكم في فكر فودة

نموذج "الدولة الدينية"نموذج الدولة المدنية
يخلط بين الدين والسياسةيفصل بين المجال الديني والسلطة السياسية
يعتمد على شعارات غائمة ("تطبيق الشريعة")يقدم برامج سياسية واقتصادية محددة
يكرس الطائفية والانقساميضمن المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين
يستخدم النصوص بشكل انتقائييعتمد على الدستور والقوانين الوضعية القابلة للتعديل
ينتج عنفاً وتكفيراً للمخالفينيحمي الحريات ويؤسس للحوار

الجدل حول فكرة "الردة" وحدود الحرية الفكرية

يوضح فودة أن انتقاده موجه للخطاب السياسي وليس للدين نفسه. في مناظرته الشهيرة في معرض القاهرة للكتاب (1992)، أكد أن نقده لـ"الدولة الدينية" لا يعني العداء للإسلام، لكنه واجه اتهامات بالكفر من خصومه مثل الشيخ محمد الغزالي الذي شهد لاحقاً في محاكمة قتلته بأن "ما كتبه فودة ينزع عنه صفة الإسلام" . يرفض فودة استخدام مفهوم "الردة" لقمع المعارضين، ويرى أن الاختلاف الفكري يجب أن يحسم بالحوار لا بالعنف.

 تحديات الحاضر

رغم مرور ثلاثة عقود على اغتياله، تظل أفكار فرج فودة حاضرة في النقاش حول مستقبل الدولة والمجتمع في العالم العربي. 

كتاباته تشكل مراجعة جريئة للتراث والخطاب الديني، وتكشف كيف يتم توظيف الدين لأغراض سياسية. مشروعه التنويري يؤكد أن الخلاص لا يكون بالعودة إلى الماضي، بل ببناء دولة مدنية تحترم التعددية وتحقق العدالة. 

كما يقول في كتابه "قبل السقوط": "أنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح... وأنصار الحكمة لا محبي الحكم" .

اليوم، بينما تستعيد الجماعات الإسلاميّة زخماً في بعض الدول العربيّة، وتتصاعد الدعوات لتطبيق الشريعة، يظل صوت فودة تحذيراً من مخاطر الخلط بين الدين والسياسة، ودعوة لإعادة الاعتبار للعقل والواقع في فهم النصوص وتطبيقها

إرسال تعليق

0 تعليقات