الطائفية إلى أين؟


 

"الطائفية إلى أين؟" لفرج فودة

 تحليل نقدي للصراع الديني والسياسي في مصر

 المؤلف والسياق التاريخي

فرج فودة (1945–1992) كان مفكراً مصرياً علمانياً حصل على الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس. اغتيل عام 1992 على يد "الجماعة الإسلامية" بسبب مواقفه الجريئة المناهضة للدولة الدينية. صدر كتاب "الطائفية إلى أين؟" عام 1987 كجزء من مشروعه الفكري الذي تضمن كتباً مثل "نكون أو لا نكون" و"الحقيقة الغائبة" و"قبل السقوط" . يُعد الكتاب رؤية تحليلية لجذور الطائفية في مصر، ويربطها باستغلال الدين في السياسة، خاصة من قبل جماعات مثل الإخوان المسلمين والأزهر.


الهيكل الرئيسي للكتاب وأفكاره المحورية

1. تشخيص الطائفية: من الظاهرة الاجتماعية إلى الأداة السياسية

  • الطائفية كنتاج للاستغلال السياسي: يرى فودة أن الطائفية ليست نتاجاً طبيعياً للتعدد الديني، بل أداة تُوظف لتحقيق مصالح سياسية. فالنخب الدينية والسياسية تستخدم الخطاب الطائفي لتجنيد الأنصار وإثارة المشاعر .

  • دور المؤسسات الدينية: ينتقد فودة موقف الأزهر الذي تحول من منارة للوسطية إلى لاعب في الصراع الطائفي. فبيان "جبهة علماء الأزهر" عام 1992 الذي كفّره يُعد نموذجاً لتحويل الخلاف الفكري إلى صراع ديني .

2. جذور الطائفية في التاريخ المصري الحديث

  • تأثير هزيمة 1967: يُشير فودة إلى أن الهزيمة العسكرية كانت محفزاً لصعود التيارات الدينية التي قدمت نفسها كبديل "إلهي" للأنظمة "العلمانية الفاشلة" .

  • سياسات السادات: ينتقد فودة سياسات الرئيس السادات التي أطلقت العنان للجماعات الإسلامية في السبعينيات لمواجهة اليساريين، ثم فقد السيطرة عليها، مما أدى إلى تفاقم التطرف .

  • دستور 1971: يعتبر تعديل المادة 2 (جعل الشريعة "المصدر الرئيسي" للتشريع) خطوة نحو تسييس الدين وتمهيداً للدولة الدينية .

3. الطائفية والإرهاب: وجهان لعملة واحدة

يُحذر فودة من أن الطائفية تمهد الطريق للإرهاب عبر:

  • تكريس "الآخر" كعدو: تحويل المختلف دينياً أو مذهبياً إلى تهديد وجودي.

  • شرعنة العنف: استخدام الفتاوى الدينية لتبرير العنف ضد "المخالفين"، كما حدث في بيان "جريدة النور" الذي دعا لقتله .

4. الدولة المدنية كحل: فصل الدين عن السياسة

  • الدين للمجتمع، لا للدولة: يؤكد فودة أن الدولة المدنية هي الضامن الوحيد للتعددية، حيث تُدار الشؤون العامة بقوانين وضعية تحترم حقوق جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم .

  • نقد "الدولة الإسلامية": يسخر فودة من فكرة "الخلافة الإسلامية"، ويصفها بأنها "خلافة عربية قرشية لم تحمل من الإسلام إلا الاسم" .

5. العلمانية: ليست عدواً للدين

  • دفاعاً عن العلمانية: يرفض فودة وصم العلمانية بالإلحاد، ويُعرِّفها كآلية لحكم المجتمعات المتعددة. فالعلمانية تضمن عدم هيمنة أي جماعة دينية على الدولة .

  • نماذج تطبيقية: يستشهد بتجارب دول مثل تركيا وتونس كدليل على إمكانية تزامن العلمانية مع الهوية الإسلامية للمجتمع.


السياق التاريخي والاجتماعي للطائفية في مصر

  • التحول من المذهبية إلى الطائفية: يتتبع فودة كيف تحولت الخلافات الفقهية التاريخية (مثل الصراع السني-الشيعي) إلى هويات طائفية صلبة في العصر الحديث، خاصة مع صعود الدولة القومية .

  • دور الاستعمار: ينتقد فودة الدور البريطاني في ترسيخ الطائفية عبر سياسات "فرق تسد"، كما في العراق ولبنان .

  • الصراع على التاريخ: يشير إلى أن الطائفية تعيد كتابة التاريخ لخدمة رواية الجماعة، مما يعمق الانقسام .


رؤية فودة للحلول: نحو مجتمع تعددي

  1. إصلاح التعليم: إزالة المناهج التي تكرس التعصب الطائفي.

  2. تحديث الخطاب الديني: تحويل الأزهر إلى منصة للحوار بدلاً من الفتاوى التكفيرية.

  3. قوانين تجرّم التمييز الطائفي: سن تشريعات تعاقب على التحريض الطائفي.

  4. تعزيز الثقافة المدنية: نشر قيم المواطنة عبر الإعلام والمجتمع المدني.


أثر الكتاب 

  • الجدل حول الأزهر: تسبب الكتاب في صدام مع المؤسسة الدينية، خاصة بعد اتهام فودة لشيخ الأزهر جاد الحق بـ"تجيير الدين لخدمة السياسة" .

  • العلاقة مع الإخوان المسلمين: يكشف فودة كيف استخدم الإخوان الطائفية لتعزيز نفوذهم، خاصة في تحالفهم مع حزب الوفد عام 1984، مما دفعه للاستقالة من الحزب .

  • تأثير الاغتيال: لم يُقتل فودة بسبب هذا الكتاب وحده، بل بسبب مجموع كتاباته التي اعتُبرت "مراجعة جريئة للذهنية المتكلسة" .


مقارنة مع أعمال معاصرة

  • عزمي بشارة ("الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة"): يتفق بشارة مع فودة في أن الطائفية "نتاج الدولة الحديثة الفاشلة"، لكنه يضيف بعداً سوسيولوجياً أعمق حول تحول الطائفة إلى "كيان متخيل" .

  • خولة حمدي ("أين المفر؟"): تقدم روايتها نموذجاً روائياً لتداعيات الطائفية في تونس ما بعد الثورة، مؤكدة فكرة فودة عن عالمية الظاهرة العربية .



رغم مرور 38 عاماً على صدور "الطائفية إلى أين؟"، فإن أسئلته ما زالت ملحة:

  • استشراف المستقبل: عنوان الكتاب "إلى أين؟" يعكس رؤية فودة التحذيرية: الطائفية تقود إما إلى حرب أهلية أو ديكتاتورية.

  • الرسالة المركزية: الدولة المدنية هي الحصن الوحيد ضد التفتيت الطائفي، والدين يجب أن يظل شأناً شخصياً لا أداة حكم.

  • تأثير فودة المستمر: استشهاد فودة حول كتابه إلى رمز لمقاومة التطرف، وجعل كتابه وثيقة تاريخية لفهم جذور العنف في المنطقة .

"ما سبق كان اجتهاداً يفتقر إلى حنكة الساسة، لكنه لا يفتقر إلى الصدق... وإذا خفت فلا تقل، وإذا قلت فلا تخف. وقد اخترت القول، أما الخوف فلم أعرفه بعد" – فرج فودة في خاتمة كتابه .


جدول: أفكار الكتاب الرئيسية مقابل الواقع المعاصر

الفكرة المحورية في الكتابالتجلّي المعاصر (2025)
تحذير من تحالف الدين والسياسةصعود أنظمة شمولية تستخدم الدين لتبرير القمع
الدعوة للدولة المدنيةثورات 2011 وانهياراتها أكدت صعوبة التحول الديمقراطي
الطائفية كأداة إرهابتنظيم "داعش" كأبرز نموذج لتحويل الطائفية إلى عنف ممنهج
دور الأزهر الإصلاحيمبادرات حديثة للأزهر للحوار بين الأديان (مؤتمر "حرية المواطنة")

يظل كتاب فرج فودة مرجعاً لا غنى عنه لفهم التشابك بين الدين والسياسة في العالم العربي، وشهادة على ثمن حرية الفكر في مجتمعات ترفض المراجعة

إرسال تعليق

0 تعليقات