"أيام العمر: رسائل خاصة بين طه حسين وتوفيق الحكيم"
الكتاب وأهميته الأدبية
يُعد كتاب "أيام العمر: رسائل خاصة بين طه حسين وتوفيق الحكيم" (تأليف إبراهيم عبد العزيز) وثيقة أدبية نادرة تكشف عن طبيعة العلاقة بين عملاقَي الأدب العربي. يجمع الكتاب الرسائل المتبادلة بينهما من عام 1933 حتى وفاة طه حسين عام 1973، مُظهرًا تفاصيل صداقةٍ جمعت بين متناقضَين: طه حسين المنهجي الأكاديمي، وتوفيق الحكيم المتحرر الفني. تبلغ صفحات الكتاب 174 صفحة، وتُظهر كيف شكّلت هذه المراسلات جزءًا من تاريخ الأدب العربي الحديث .
نشأة الصداقة: من "أهل الكهف" إلى جبال الألب
بدأت العلاقة عام 1923 عندما أصدر الحكيم مسرحيته "أهل الكهف"، والتي أشاد بها طه حسين واعتبرتها نقلةً نوعية في المسرح الأدبي العربي، قائلًا إنها "فتحٌ في باب التمثيلية الأدبية". هذا التشجيع دفع الحكيم لاحقًا إلى التواصل مع طه حسين، رغم رفضه الأولي لفكرة "تبني" كبار الأدباء لأعماله. في عام 1936، توطّدت صداقتهما خلال رحلة إلى جبال الألب في فرنسا، حيث شاركا في تأليف كتاب "القصر المسحور" كنتاجٍ لحواراتهما وألعابٍ أدبية حول شخصية شهرزاد .
طبيعة الرسائل: بين الصداقة والخصومات الأدبية
اللغة والموضوعات
تباين اللغة: كانت الرسائل تُكتَب أحيانًا بالعربية وأحيانًا بالفرنسية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بمواضيع شخصية.
المحتوى: شملت مناقشاتٍ عن أعمالهما الأدبية، استشاراتٍ حول ما ينشرانه، وخلافاتٍ فكرية حادة، مثل تلك التي دارت حول مسرحية الحكيم "شهرزاد"، حيث انتقد طه حسين نقصَ العمق الفلسفي فيها، فردّ الحكيم بأنه قرأ الفلسفة أكثر من طه حسين نفسه .
التقلبات العاطفية
مرّت الصداقة بفترات فتور وخصومات، أبرزها عندما رفض الحكيم طلب طه حسين كتابة مقدمة لـ"أهل الكهف"، معتبرًا المقدمات الإشهارية "نفاقًا".
في إحدى الرسائل، كتب الحكيم لطه حسين: "لستُ في حاجة إلى أحد يخاطبني بلسان التشجيع"، فردّ عليه طه حسين: "هذه اللهجة لا يملكها غير رئيس الوزراء!". رغم ذلك، كان الحكيم يختم رسائله بعبارات مثل: "أكنّ لك ودًا وحبًا بالغين" .
التشابكات المصيرية بين الرجلين: من التناقض إلى التكامل
يكشف الكتاب عن مفارقات عميقة في حياة الصديقَين:
العلاقة بالبصر:
طه حسين فقد بصره في الطفولة بسبب علاج خاطئ من "حلاق القرية".
نفس المهنة أنقذت بصر الحكيم عندما عالجه حلاقٌ من التهابٍ خطير .
الدراسة في فرنسا:
عاد طه حسين من باريس بدرجة الدكتوراه في الأدب.
عاد الحكيم بحقائب مليئة بكتب الفن بعد فشله في الحصول على الدكتوراه في القانون .
المنهج الفكري:
تميز طه حسين بالجدية الأكاديمية وتمرده على جمود الأزهر.
اتسم الحكيم بحب الفن والتحرر من القيود، وهو ما ظهر في كتاباته المسرحية الذهنية .
أبرز المحطات في العلاقة: من الخلاف إلى الإبداع المشترك
خلاف "شهرزاد" وتحولاته
عندما نشر الحكيم مسرحيته "شهرزاد" (1934)، انتقد طه حسين افتقارها للعمق الفلسفي، مما أثار غضب الحكيم. لكن هذا الخلاف تحوّل إلى تعاونٍ إبداعي عندما شاركا في كتابة "القصر المسحور" (1936)، حيث حاكمت شهرزادُ الحكيمَ على تفسيره لها، بينما تولى طه حسين دور المدافع عنه تارةً والمنتقد تارةً أخرى. الإهداء في أول الكتاب كان لزوجة طه حسين، سوزان: "إلى التي كانت تشيع ذهابنا إلى القصر المسحور..." .
الرسائل أثناء الأزمات السياسية
ناقش الاثنان في مراسلاتهما تأثير الأحداث السياسية على الأدب، مثل ثورة 1919 التي شارك فيها الحكيم، ودور طه حسين في مجانية التعليم أثناء توليه وزارة المعارف عام 1950. وقد عبّرا عن قلقهما المشترك من تأثير السياسة على حرية الإبداع .
الأساليب الأدبية في الرسائل: بيان طه حسين مقابل سخرية الحكيم
أسلوب طه حسين:
بياني متدفق يعتمد على السجع والتكرار والمترادفات، مثل: "سعيدٌ راضٍ مبتهجٌ مغتبط".
استخدام الأمثال التراثية (مثل: "من مأمنه يؤتى الحذر") والإشارات الأدبية (كاقتباس أبي العلاء المعري).
اعتماد على السمع أكثر من البصر في الوصف، نتيجةً للعمى .
أسلوب توفيق الحكيم:
مباشر وساخر، يخلو من الزخارف اللفظية.
يصف طه حسين في إحدى رسائله: "شخص شديد الدهاء... في كلامه وابتسامه شيء ينم عن سرٍّ مبهم" .
القيمة التاريخية والنقدية للكتاب
توثيق تطور الأدب العربي: تُظهر الرسائل كيف شكّلت مناقشاتهما حجرَ أساسٍ للمدارس الأدبية الحديثة، مثل المسرح الذهني عند الحكيم والتنوير عند طه حسين.
البعد الإنساني: تكشف المراسلات عن ضعفيهما، غضبهما، وغيرهما الأدبي، مما يُجسّدهما كبشرٍ قبل أن يكونا عبقريَين.
إرث الصداقة: رغم الخلافات، ظل الرجلان متحالفَين في مواجهة النقد التقليدي، مثل هجوم المشايخ على طه حسين بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي" .
ذاكرة الأدب التي "لا تموت"
يختتم الكتاب بالإشارة إلى أن صداقة العميدَين—طه حسين "عميد الأدب العربي" وتوفيق الحكيم "عميد المسرح العربي"—تجسّدت في "ذكرى رحلةٍ قطعاها في عالم الأدب ودنيا الناس". رغم وفاتهما (1973 و1987)، تظل رسائلهما شاهدًا على أن "ذاكرة التاريخ لا تنسى وضمير الأدب لا يموت" .
"الغيوم لا تلبث أن تنقشع من سماء الحياة... لتبقى لنا ذكرى هذه الرحلة." – إبراهيم عبد العزيز في خاتمة الكتاب
أقرأ أيضاَ
ملخصات كل أعمال الاديب والمفكر طة حسين
0 تعليقات