الملعوب : تشريح جريمة الاقتصاد الديني لفرج فودة


 

"الملعوب" لفرج فودة

 تشريح جريمة الاقتصاد الديني

١. لمحة تاريخية 

فرج فودة (١٩٤٥-١٩٩٢) كان مفكراً واقتصادياً مصرياً حاصلاً على الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس . اغتيل عام ١٩٩٢ على يد الجماعة الإسلامية بعد فتوى بتكفيره من جبهة علماء الأزهر بسبب مواقفه المناهضة للتيارات الدينية المتطرفة . 

صدر "الملعوب" في منتصف الثمانينيات بعد معاناة في النشر، حيث رفضته دور النشر قبل أن يطبعه فودة على نفقته الخاصة بسعر جنيهين فقط .

الكتاب يُعدّ الوثيقة الأولى التي كشفت آليات النصب المنظم تحت شعار "الاقتصاد الإسلامي"، متناولاً فضيحة شركات توظيف الأموال التي انتشرت في سبعينيات القرن الماضي . يقدم فودة تحليلاً اقتصادياً ونفسياً واجتماعياً لهذه الظاهرة، مشيراً إلى أنها "أخطر عملية نصب في تاريخ الاقتصاد المصري" .


٢. السياق التاريخي والاقتصادي للظاهرة

ظهرت شركات توظيف الأموال في مصر مطلع السبعينيات بالتزامن مع:

  • طفرة النفط: التي خلقت طبقة جديدة من الأثرياء الباحثين عن استثمارات سريعة

  • سياسة الانفتاح الاقتصادي: التي أطلقتها حكومة السادات

  • صعود الخطاب الديني: الذي استغلّته هذه الشركات لتغطية أنشطتها 

استندت هذه الشركات إلى ثلاثية الإغراء:
١. معدلات ربح خيالية (تصل إلى 40% شهرياً)
٢. غطاء ديني (شعارات مثل "التجارة مع الله")
٣. شبكات علاقات معقدة (توظيف رجال الدين وشخصيات عامة للترويج)


٣. الآليات الفنية للنصب المالي

يحلل فودة في الكتاب الهرم المالي المقلوب الذي اعتمدت عليه هذه الشركات:

أ. آلية التمويل الدائري

  • مرحلة الجذب: توزيع أرباح مبهرة للمستثمرين الأوائل من أموال المستثمرين الجدد

  • مرحلة التضخم: التوسع في الدعاية الدينية لجذب المزيد من المدخرات

  • مرحلة الانهيار: اختفاء الملاك عند تعذر سد العجز بين المدخرات والأرباح 

ب. أدوات التمويه المحاسبي

  • غياب السجلات المادية للاستثمارات المزعومة

  • استخدام مصطلحات دينية بدلاً من المصطلحات المالية

  • تزوير عقود شراكات وهمية

ج. الهندسة النفسية للضحايا

الاستراتيجيةالآليةالمثال
استغلال اليأساستهداف الفئات المهمشة اقتصادياًعمال المصانع، صغار الموظفين
التأثيث الدينيتوظيف رموز دينية في الدعاية"السيدة زينب أمرتني بالتجارة مع الله" 
الضغط الاجتماعيتحويل الاستثمار إلى قضية إيمانيةاتهام المتحفظين بعدم الثقة في رزق الله

٤. الأبعاد الاجتماعية والنفسية

يكشف الكتاب عن الوباء الاجتماعي الذي خلّفته هذه الظاهرة:

أ. تشريح الضحية

  • الضحايا النموذجيون: باعة مواشيهم، باعة مصاغ زوجاتهم، باعة أراضيهم الزراعية 

  • العامل المشترك: الأمية المالية مع التدين السطحي

  • المفارقة التاريخية: تكرار التجربة رغم سقوط عشرات الشركات

ب. علم النفس الجمعي للهستيريا المالية

يصف فودة ما أسماه "عته هستيري جمعي" حيث:

  • تحولت الشائعات إلى حقائق مالية

  • أصبحت السبحة الطويلة والزى الديني بديلاً عن الشهادات المالية

  • تحول النصب إلى عدوى اجتماعية ("ألف مستريح قبله ولا عبرة") 

ج. تداعيات الانهيار

  • موجات انتحار جماعي

  • تفكك الأسر بعد ضياع المدخرات

  • خسارة الثقة في النظام المصرفي الرسمي


٥. الأبعاد الدينية والسياسية

يرى فودة أن هذه الظاهرة تمثل توظيفاً ثلاثياً للدين:

أ. الدين كغطاء للنصب

  • تحويل النشاط الاقتصادي إلى "عبادة"

  • استخدام خطاب التبرير الديني للربح غير المشروع

  • توظيف شيوخ لتمرير الممارسات المحرمة

ب. الدين كأداة ضغط

  • تكفير المنتقدين

  • تحذير المترددين من "عقوبة منع الزكاة"

  • اختلاق سرديات دينية لتبرير الانهيارات

ج. المشروع السياسي الخفي

كشف فودة عن التمهيد الاقتصادي للدولة الدينية:

  • خلق شبكات تمويل موازية للاقتصاد الرسمي

  • بناء قاعدة جماهيرية معتمدة على المنفعة المالية

  • إضعاف ثقة المواطن في مؤسسات الدولة 


٦. النقد الاقتصادي المتخصص

يقدم الكتاب تحليلاً فريداً يجمع بين:

أ. تناقضات الاقتصاد الديني

  • المفارقة الأولى: ادعاء مخالفة الربا مع ممارسة ربا مضاعف

  • المفارقة الثانية: شعارات العدالة مع استنزاف مدخرات الفقراء

  • المفارقة الثالثة: خطاب الاستقلال مع ارتباط بالتمويل الخارجي

ب. مقارنة بالأنظمة التقليدية

المعيارالنظام المصرفي التقليديشركات توظيف الأموال
الشفافيةخاضع لرقابة البنك المركزيلا رقابة خارجية
الاحتياطينسب محددة قانوناًلا وجود لاحتياطيات
مصادر الربحاستثمارات معلنةأموال المودعين الجدد

ج. تحذيرات مستقبلية

تنبأ الكتاب بـ:

  • تحول النموذج إلى قطاعات أخرى (التوك توك مثالاً معاصراً )

  • تعميق التطرف الديني مع كل أزمة اقتصادية

  • تآكل الطبقة الوسطى المصرية


٧. تراث الكتاب الفكري والسياسي

خلّف "الملعوب" تأثيرات عميقة:

أ. في الخطاب التنويري

  • أول وثيقة تشريح للاقتصاد الديني كأداة سياسية

  • تأسيس مدرسة نقدية لتحليل الخطاب الديني الاقتصادي

  • إلهام جيل جديد من الباحثين في الاقتصاد السلوكي

ب. في المسار الشخصي لفودة

  • تصعيد التهديدات ضده من حرق كتب إلى اغتيال 

  • إدراج الكتاب في قائمة "الممنوعات" لدى الجماعات المتطرفة

  • تحول المؤلف إلى رمز لمقاومة الاستغلال الديني

ج. الصدى المعاصر

ما زال الكتاب مرجعاً لفهم:

  • أزمات العملات الرقمية المشبوهة

  • نماذج الدعاية الدينية في التسويق الهرمي

  • آليات الاستقطاب المالي تحت الشعارات الدينية 


٨.  كلمات فودة الخالدة

يختتم الكتاب بمقولته النقدية: "أنت تكسب ليس لأنك الأذكى، ولكن لأن الآخرين أغبياء، وليس لأنك الأكثر مقدرة، ولكن لأن الآخرين عجزة" . هذه العبارة تختزل فلسفة النصب المنظم عبر التاريخ.

رغم مرور أربعة عقود على صدوره، يظل "الملعوب" مرآة تعكس أمراضنا المجتمعية المتجددة، وشاهداً على جرأة مفكر دفع حياته ثمناً للحقيقة. كما قال فودة في كتابه: "المستقبل يصنعه القلم لا السواك، والعمل لا الاعتزال، والعقل لا الدروشة" .



"مصر.. يعلم الله أنني أحبك بلا حدود، وأتعشقك حتى آخر قطرة من دمي" - فرج فودة


وقد كان .... 


المصادر :

١. فولابوك (تحميل كتاب الملعوب PDF) 

إرسال تعليق

0 تعليقات