عصر التفكير السحري المفرط
ملاحظات حول اللاعقلانية الحديثة
لأماندا مونتيل
الفكرة المحورية للكتاب
يقدم كتاب "عصر التفكير السحري المفرط" تحليلًا ثاقبًا لظاهرة "التفكير السحري" (Magical Thinking) في العصر الرقمي، الذي يُعرَّف باعتقاد الإنسان أن أفكاره أو مشاعره يمكنها التأثير المباشر في العالم المادي، مثل الاعتقاد بأن "التفكير الإيجابي" وحده قادر على جذب الثروة أو منع الأمراض.
تربط أماندا مونتيل هذه الظاهرة باضطراب الوسواس القهري وثقافة الإنترنت، وتجادل بأن العصر الحديث حوّل هذه الآلية النفسية من مجرد وسيلة بدائية لاستعادة الشعور بالسيطرة إلى قوة مدمرة تشوه إدراكنا للواقع .
التحيزات المعرفية: أدوات التفكير السحري
يُقسّم الكتاب التحيزات المعرفية إلى فصول مستقلة، كل منها يركز على تحيز رئيسي وأثره في حياتنا:
1. تأثير الهالة (Halo Effect): عبادة المشاهير ووهم الصداقة
التعريف: نزعتنا لتصديق أن الشخص الذي يمتلك صفة إيجابية واحدة (مثل الجمال أو الشهرة) يمتلك صفات أخرى ممتازة (مثل الذكاء أو النزاهة).
الأمثلة:
تايلور سويفت: يشعر المعجبون بأنهم "أصدقاؤها" بسبب تفاعلها معهم على منصة تامبلر، لكنهم يهاجمونها عندما لا تتطابق قراراتها (مثل موقفها من حركة BLM) مع الصورة المتخيلة في أذهانهم .
النتيجة: هذه العلاقة الافتراضية-الاجتماعية (Parasocial Relationship) تسبب انخفاض الثقة بالنفس وضعف الهوية الذاتية، وفقًا لدراسة 2003 التي أشارت إليها مونتيل .
2. مغالطة التكلفة الغارقة (Sunk Cost Fallacy): السجن الاختياري
التعريف: إصرارنا على الاستمرار في استثمار الوقت أو المال أو المشاعر في مشروع فاشل لمجرد أننا استثمرنا فيه سابقًا.
التجربة الشخصية: تروي مونتيل قصة علاقتها السامة مع رجل أطلقت عليه اسم "السيد باكباك"، حيث بقيت معه 7 سنوات لأنها اعتقدت أن "الاستثمار" العاطفي السابق يضمن نجاح المستقبل .
الحل المقترح: تسأل القارئ: "من هو هذا الشخص الذي تؤلمك الآن؟ ليس من كان قبل سنوات، بل من هو اليوم؟" .
3. تحيز الناجين (Survivorship Bias): خرافة "النجاح حتمًا"
التعريف: ميلنا لدراسة حالات النجاح وتجاهل حالات الفشل، مما يخلق وهمًا بأن النجاح سهل ومضمون.
مثال: صديقة مونتيل راشيلي، التي نجت من السرطان ونشرت تجربتها على الإنترنت. متابعوها اعتقدوا أن "الإيجابية" وحدها كفيلة بعلاج المرض، متجاهلين آلاف الذين ماتوا رغم تفاؤلهم .
الخطر: هذا التحيز يغذي ثقافة "انتحر أو انجح" (Hustle Culture) ويُشعر الناس بالذنب عندما يفشلون .
4. تأثير الحقيقة الوهمية (Illusory Truth Effect): كذبة تكررها تصبح حقيقة
التعريف: تصديق المعلومات بناءً على تكرارها لا على دقتها.
الأمثلة:
خرافة: "النساء في العصور الوسطى كنَّ يحملن باقات الزهور لإخفاء رائحة أجسادهن!" – وهي معلومة كذَّبها خبراء التاريخ .
دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا 2018: الأخبار الكاذبة تنتشر أسرع بست مرات من الأخبار الصحيحة لأنها "جديدة" وتثير الفضول .
5. تأثير إيكيا (IKEA Effect): تقديس الجهد المبذول
التعريف: ميلنا لتقييم الأشياء بأعلى من قيمتها الحقيقية لمجرد أننا بذلنا جهدًا في صنعها.
التجربة الشخصية: تعلق مونتيل بكراسي من إيكيا صقلتها مع والدتها رغم رخصها، لأنها تمثل ذكريات مشتركة .
الرسالة الفلسفية: هذا التحيز يثبت أن البشر يقدرون "اللمسة الإنسانية" في الإبداع، مما ينفي فكرة أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل الفن البشري .
جدول تلخيصي لأهم التحيزات المعرفية في الكتاب:
اسم التحيز | التعريف | مثال من الواقع |
---|---|---|
تأثير الهالة | تعميم صفة إيجابية واحدة على شخص ككل | عبادة المشاهير مثل تايلور سويفت |
المغالطة التكلفة الغارقة | الخوف من "هدر" الاستثمارات السابقة | البقاء في وظيفة أو علاقة غير مُرضية |
تحيز الناجين | التركيز على الناجين وتجاهل الضحايا | قصص نجاح الشركات الناشئة المخفية الفشل |
تأثير الحقيقة الوهمية | تصديق المعلومات المكررة بغض النظر عن صحتها | الشائعات السياسية على تويتر |
تأثير إيكيا | المبالغة في تقدير ما صنعناه بأيدينا | التعلق بأثاث منزلي رخيص صنعته بنفسك |
النقد الذاتي والاجتماعي: لماذا نقع في فخ التفكير السحري؟
دور الإنترنت:
وسائل التواصل الاجتماعي تعزز التفكير السحري عبر محتوى مثل "التمني" (Manifestation) والتنجيم، الذي يقدم وعودًا وهمية بالسيطرة على المصير .
المحتوى الصحي الكاذب: يؤثر في القرارات الخطيرة مثل التوقف عن تناول أدوية منع الحمل بسبب شائعات عن "تدمير الهرمونات" .
الجذور النفسية: وفقًا لمونتيل، هذه التحيزات آلية بدائية لـاستعادة الإحساس بالسيطرة في عالم فوضوي، لكن الإنترنت حوّلها إلى أسلحة تشوه العقل .
ردود الفعل على العمل: بين الإعجاب والانتقاد
الإيجابية: أشاد القراء بسهولة اللغة وربط المفاهيم المعقدة بحياة اليومي، مثل تحليل علاقات المشاهير أو تأثير إنستغرام على الصحة النفسية .
الانتقادات:
ذاتية مفرطة: بعض النقاد رأوا أن الاعتماد على التجارب الشخصية (مثل علاقة مونتيل السامة) حوّل الكتاب إلى "مذكرات" بدلاً من عمل أكاديمي .
سطحية بعض التحليلات: اشتكى باحثون من عدم تعمق الكتاب في حلول عملية، واكتفائه بتوصيات عامة مثل "كن واعيًا بتحيزاتك" .
هل هناك أمل؟
تختتم مونتيل برسالة تفاؤلية: رغم أن التحيزات جزء من العقل البشري، فإن الوعي بها هو أول خطوة لكسر دورة "التفكير السحري المفرط". وتقترح:
الانفصال عن الإنترنت: لتقليل تأثير الدوبامين المصاحب للإعجابات والمشاركات.
تبني "تيمبوسور" (Tempusur): مصطلح ابتكرته للدلالة على تقدير اللحظة الحالية قبل أن تصبح ذكرى .
الدفاع عن الإنسانية: في وجه الذكاء الاصطناعي، تؤكد أن الفن البشري سيظل مميزًا بسبب "اللمسة الإنسانية" التي تنبع من التعقيد العاطفي .
"التفكير السحري ليس عيبًا في التصميم البشري، بل هو ميزة تتحول إلى نقمة عندما يلتهمها فضاء رقمي لا يرحم" — أماندا مونتيل .
الكتاب مرآة لعصرنا، يدفعنا لمساءلة انسياقنا وراء الخوارزميات، ويذكرنا أن اللاعقلانية ليست ضعفًا، بل هي جزء من إنسانيتنا... شرط أن نعترف بها.
0 تعليقات