"متعلمة" (Educated) لتارا ويستوفر
رحلة من العزلة إلى التحرر عبر التعليم
سيرة استثنائية في مواجهة الجهل
"متعلمة" (Educated) هو السيرة الذاتية الصادمة للكاتبة الأمريكية تارا ويستوفر، التي صدرت عام 2018 وحققت نجاحاً عالمياً غير مسبوق. احتلت المرتبة الأولى في قائمة نيويورك تايمز للأكثر مبيعاً ، واختارها كل من بيل جيتس وباراك أوباما كواحدة من أفضل كتب العام .
تروي تارا قصة نشأتها في مجتمع المورمون المنعزل بجبال أيداهو الأمريكية، وحرمانها من التعليم والرعاية الطبية، وصعودها المذهل إلى قمة المؤسسات الأكاديمية العالمية.
لكن هذا الصعود جاء بثمن باهظ: فقدان عائلتها وهويتها السابقة.
عالم الطفولة المنغلق - القيود والانعزال
1. عائلة تحت سطوة الأيديولوجيا والبارانويا
نشأت تارا (وُلدت عام 1986) كأصغر سبعة أبناء لعائلة مورمونية أصولية في مزرعة نائية عند سفح "قمة باك" في أيداهو. كان والدها، جين (اسم مستعار)، شخصية متسلطة يعاني من:
جنون الارتياب السياسي والديني: اعتقد أن الحكومة الأمريكية أداة للمتنورين تهدف لغسل أدمغة المواطنين عبر المدارس والمستشفيات.
اضطراب ثنائي القطب غير مُشخَّص: بسبب رفضه الطب الحديث، ظل دون علاج، مما فاقم من تهوره وعنفه.
تهيؤات نهاية العالم: كان يخزن الطعام والوقود والسلاح استعداداً لـ "يوم القصاص" المزعوم، ويرفض أي خدمة حكومية بما في ذلك شهادات الميلاد (لم تكن لتارا شهادة ميلاد حتى سن 9 سنوات).
أما والدتها فاي، فكانت قابلة غير مرخصة وطبيبة أعشاب، تبرر العنف الأسري باسم الطاعة الدينية. رغم تعرضها لإصابة دماغية خطيرة في حادث سيارة (عولجت بالأعشاب فقط)، ظلت تدعم أفكار زوجها.
2. حرمان ممنهج: التعليم والطب في دائرة المحرمات
منع التعليم النظامي: اعتبر جين المدارس "مصانع لإفساد الأطفال"، فلم تطأ تارا المدرسة طفولتها. اقتصر "التعليم المنزلي" على قراءة الكتاب المقدس ونصوص المورمون، دون منهج أو مراقبة.
رفض الطب الحديث: عند إصابات العمل الخطيرة في ساحة الخردة (مثل بتر الأصابع أو الحروق)، أو حتى التهاب اللوزتين، كان العلاج الوحيد هو أعشاب فاي أو "الاستشفاء بأشعة الشمس". رفض جين المستشفيات بحجة: "الله وملائكته هنا معنا".
عالم من العنف: عمل الأطفال منذ صغرهم في تجميع الخردة المعدنية دون أدوات وقاية، مما عرضهم لإصابات متكررة. الأب نفسه كان يرمي قطعاً معدنية نحو تارا أثناء العمل.
ملامح حياة تارا في طفولتها
المجال | الواقع | التأثير النفسي/الجسدي |
---|---|---|
التعليم | لا مدارس - تعليم ذاتي محدود | أمية علمية - صعوبة القراءة لاحقاً |
الصحة | علاج بالأعشاب فقط | إصابات دائمة - آلام مزمنة |
العمل | فرز خردة في ظروف خطرة | حروق - جروح - كسور متكررة |
الاجتماعي | عزلة تامة عن المجتمع | صعوبة التواصل - غربة ثقافية |
التمرد الخفي نحو المعرفة
1. أخوة بين القمع والأمل
تايلر: نافذة الضوء الأولى: كان الأخ الثالث أول من تمرد على العزلة. علم نفسه الرياضيات والعلوم سراً، ثم التحق بجامعة بريجهام يونغ (جامعة مورمونية) رغم غضب الأب الذي اعتبر التعليم "خيانة لله".
شون: الوجه الآخر للقمع: بعد إصابة في الرأس أثناء العمل، تحول إلى شخص عنيف. كان يخضع تارا للإهانة والضرب المبرح، ويجبرها على التلفظ بكلمة "عاهرة" لتدمير ثقتها بنفسها. والدتها تشهد الاعتدادات لكنها تنكرها لاحقاً.
2. قرار المصير: التعليم أو الموت بطيئاً
في سن الـ16، أقنعها تايلر بأن مستقبلها الوحيد هو الهروب عبر التعليم. بدأت تعلّم نفسها:
رياضيات الثانوية في 6 أشهر: بعد صراع مع الأرقام (لم تكن تعرف جدول الضرب)، حصلت على 28 من 36 في اختبار ACT، الحد الأدنى للقبول الجامعي.
صدمة الالتحاق بجامعة بريجهام يونغ (2004): واجهت صعوبات مهولة:
جهل تام بقواعد النظافة الشخصية (لم تغسل يدينها طوال حياتها!).
صدمة ثقافية عند رؤية فتيات يرتدين التنانير القصيرة (كانت تعتقدهن "عاهرات").
عدم فهم مصطلحات أكاديمية أساسية مثل "الهولوكوست".
من الجهل إلى كامبريدج
1. اكتشاف عالم الأفكار
في الجامعة، بدأت تارا تفكك قيود ماضيها عبر:
مقارنة الأديان: درست المورمونية مقارنة بمسيحية التيار الرئيسي، واكتشفت تشوّهات في تفسير عائلتها.
التاريخ الأوروبي: تعرفت على الهولوكوست والحروب العالمية، مما نقض نظرية والدها عن "المؤامرة الحكومية".
النسوية: درست كتابات جون ستيوارت مل، فبدأت تتساءل: "لماذا يجب أن يقرر الرجل مصير المرأة؟".
2. لحظات التحول الفكري الحاسمة
محاضرة عن الفن الحديث: عندما سأل أستاذها: "ما رأيك في هذه اللوحة؟"، أجابت: "لا أعرف". فرد: "هذا هو بداية التعليم: أن تعرف كيف تفكر لا ما تفكر". كانت أول مرة يُطلب منها أن يكون لها رأي مستقل.
اكتشاف الاضطراب ثنائي القطب: في درس علم نفس، تعرفت على أعراضه، فربطتها بسلوك والدها. هذا الاكتشاف حررها من شعورها بالذنب تجاه تمردها.
3. الصعود الأكاديمي المذهل
بفضل تفوقها، فازت بمنحة لدراسة الماجستير في جامعة كامبريدج بإنجلترا، ثم الدكتوراة في تاريخ الفكر. موضوع أطروحتها: "الأسرة والأخلاق في الفكر الأنجلو-أمريكي" – بحثٌ جذوره في صراعها الشخصي.
جدول: رحلة تارا الأكاديمية
المرحلة | المؤسسة | الإنجاز | التحدي الأكبر |
---|---|---|---|
البكالوريوس | جامعة بريجهام يونغ | التغلب على الأمية الأكاديمية | الفقر - العمل 3 وظائف |
الماجستير | جامعة كامبريدج | الحصول على منحة غيتس المرموقة | الصدمة الثقافية |
الدكتوراه | جامعة كامبريدج | بحث يجمع التاريخ وعلم النفس | الصراع مع ذاكرة الصدمة |
الزمالة | جامعة هارفارد | التفرغ للكتابة | الانفصال عن العائلة |
الفصل الرابع: الصراع الأسري - ثمن الحرية
1. المواجهة الكبرى: كشف جراح الماضي
بعد أن أصبحت تارا أكاديمية مرموقة، قررت مع شقيقتها أودري مواجهة العائلة بشأن:
اعتداءات شون الجسدية والنفسية.
تستر الوالدين وتبريرهم للعنف باسم "الطاعة الأسرية".
رد العائلة كان قاسياً:
التكذيب والاتهام: وصفوها بـ"الشيطان" و"الممسوسة".
الابتزاز العاطفي: طلبوا منها الاعتراف بأنها "اختلقت القصة" لتحافظ على علاقتهم.
2. الانفصال: الفجوة التي لا تُجسّر
رفضت تارا التراجع عن شهادتها، فاتخذت العائلة قراراً:
مقاطعتها تماماً: حتى في لحظات مرض الأب الخطير، منعوها من زيارته.
تدمير سمعتها: نشروا بين أفراد المجتمع أن "كامبريدج أفسدتها".
الخسارة الدائمة: لم ترَ والديها منذ سنوات، وفقدت 5 من إخوتها.
تكتب تارا في الفصل الأخير:"يمكنك أن تحب شخصاً ما، لكن تختار ألّا تعيش بجواره. يمكنك أن تحن إلى وطن، لكن ترفض العودة إليه... التعليم ليس تعلم الحقائق، بل تعلّم كيف تُفكر. وهذا الفعل وحده هو ما حررني".
جدل حول السيرة
كذا واجه انتقادات لاذعة من عائلتها وبعض القراء:
اتهامات بالتضليل: زعم الإخوة أن تارا بالغت في وصف العنف، خاصة أن شون أنكر الضرب.
ثغرات واقعية: كيف التحقت بجامعة مرموقة دون شهادة ثانوية؟ وكيف غطت تكاليف السفر بإنجلترا بمنحة دراسية؟ .
تسويق "أسطورة البرية": بينما كان في المنزل تلفاز وإنترنت، مما يناقض فكرة العزلة التامة .
رد تارا: أشارت في الكتاب نفسه إلى أن
الذاكرة ليست كاميرا: قدمت هوامش تشرح اختلاف رواياتها عن روايات إخوتها.
الهدف ليس اتهام العائلة: بل فهم كيف يُنتج النظام الأسري المغلق أنماط العنف.
الرمزية أهم من التفاصيل: "قمة باك" ليست مكاناً جغرافياً بقدر ما هي سجن ذهني.
ما وراء الدرجة العلمية
إنة ليس مجرد سيرة عن فتاة حصلت على الدكتوراه، بل هو:
بيان فلسفي عن التعليم: كعملية تحرير للعقل من الدوغمائية، وخلق لذات مستقلة.
نقد للطائفية: يظهر كيف يمكن للدين المتطرف أن يُحوَّل إلى أداة قمع.
رسالة للمجتمعات المغلقة: خاصة في الريف العربي، حيث تشبه معاناة النساء معاناتها.
تكريم للذاكرة الجريحة: "أكتب لأتذكر، وأتذكر لأكون".
حصلت تارا على جائزة PEN/Jean Stein ووُصفت من قبل مجلة TIME كواحدة من "أكثر 100 شخصية مؤثرة" (2019). كتابها يُدرس اليوم في جامعات العالم كنموذج لأدب الصدمة والتحرر .
ملخصا
لرؤية قوة التعليم الحقيقية: ليس كشهادة، بل كأداة لخلق الذات.
لفهم آليات التلاعب النفسي في الأسر المغلقة وكيفية كسرها.
للتأمل في التوازن بين الولاء للعائلة والولاء للحقيقة.
لتعريف الشباب العربي بأن التعليم قد يكون سلاحهم الوحيد ضد القيود المفروضة عليهم .
كما كتبت تارا:"كنت ابنة والدي، لكنني صرت أيضاً ابنة التاريخ، والفلسفة، والشك... هذا التناقض هو ما يجعلنا بشراً
0 تعليقات