الوجه العاري للمرأة العربية نوال السعداوي

 
الوجه العاري للمرأة العربية - نوال السعداوي

الوجه العاري للمرأة العربية

 السعداوي وفكــــر التمرد

نوال السعداوي (1931-2021) ليست مجرد كاتبة أو طبيبة، بل ظاهرة فكرية قلبت موازين الخطاب النسوي العربي.

 "الوجه العاري للمرأة العربية" (1977) يمثل بيانًا ثوريًا يحفر في جذور الاضطهاد الممنهج للمرأة، مقدمًا تشريحًا دقيقًا لأنظمة القهر عبر التاريخ.

 هذا العمل ليس سيرة ذاتية ولا دراسة أكاديمية صرفة، بل مشروع تحرري يعري البنى الذكورية المختبئة خلف شعارات الدين والتقاليد. 

صدر الكتاب في بيئة محافظة، ما جعله قنبلة فكرية أثارت سجالات لم تنتهِ حتى بعد رحيل مؤلفته.


 النظام الأبوي كعدو مشترك

تكمن عبقرية السعداوي في تجاوزها التفسيرات السطحية لاضطهاد المرأة، حيث ترفض حصر السبب في:

  • الدين (الإسلام أو المسيحية).

  • الخصوصية الثقافية (العربية أو الغربية).

  • الطبيعة البيولوجية.

بدلًا من ذلك، تُرجع الظاهرة إلى:

"النظم الطبقية الأبوية في المجتمع البشري كله".

هذه النظم تُمَأسِس التراتبية عبر آليات متعددة:

  • الاستيلاء على جسد المرأة: عبر ختان الإناث الذي تعرضت له السعداوي في السادسة من عمرها، وهو تجربة شخصية جعلتها تدرك أن الجسد الأنثوي ساحة حرب.

  • الاحتكار الاقتصادي: بجعل المرأة "سلعة استهلاكية" لا تملك حق التصرف في مالها أو جسدها.

  • تزييف التاريخ: بإخفاء دور المرأة كـ"إيزيس وحواء" رائدتَي المعرفة في الحضارات القديمة.


 التشريح التاريخي - من الأمومية إلى الأبوية

تقدم السعداوي تحليلًا ماركسيًا-نسويًا لتحول المجتمعات:

المجتمع الأموميالمجتمع الأبوي
● قائم على الزراعة البسيطة
● المرأة مصدر الخصوبة/القداسة
● الآلهة إناث (إيزيس، عشتار)
● النسب أمومي
● ظهور الملكية الخاصة
● اكتشاف دور الرجل في الإنجاب
● تحول الآلهة لذكور
● السيطرة على جسد المرأة لضمان الأبناء "الشرعيين"

الأديان السماوية - رغم اعترافها بإضافاتها التقدمية - ساهمت في ترسيخ التمييز عبر:

  • الخطاب الذكوري للدين: تصوير الإله بصورة أبوية.

  • تشريع التعدد والطلاق أحادي الجانب.

  • ربط الفضيلة الأنثوية بالعذرية كشكل من أشكال التملك.


أوجه الاضطهاد 

1. الاغتيال الجسدي والرمزي

  • الختان: تشويه جسدي يهدف إلى كسر الإرادة الجنسية للمرأة.

  • القوانين المجحفة: تفضيل الرجل في الميراث، الطلاق، الحضانة.

  • الصورة الأدبية: تقديم المرأة كـ"شيطان" (في كتابات العقاد) أو كائن سلبي (عند توفيق الحكيم).

2. الاستلاب الاقتصادي

"المرأة التي تستطيع إطعام نفسها لا تستسلم للعبودية".
تشير السعداوي إلى معطيات واقعية:

  • نساء تونس العاملات: ارتفاع نسبة طلاقهن مقابل "الحبيسات في البيوت".

  • قوانين العمل: حرمان المرأة من معاش متساوٍ، غياب أجر لربات البيوت.

3. صناعة التخلف الفكري

  • تربية البنت على "التفاهة": تشجيعها على الاهتمام "بشعرها ورموشها لا عقلها".

  • علم نفس ذكوري: يصور المرأة ككائن عاطفي غير عقلاني.


المرأة الحقيقية في مواجهة الصورة النمطية

تصف السعداوي المرأة العربية الأصيلة التي تم محوها من التاريخ:

  • شجاعة فكرية: كالسيدة خديجة التي دعمت الرسول اقتصاديًا وفكريًا.

  • قائدة سياسية: مثل الشاعرة العربيات اللواتي قدن المعارك بالشعر.

بالمقابل، تفضح آليات تزييف الصورة:

  • أدب "ألف ليلة وليلة": يحول المرأة إلى جسد للإمتاع.

  • الخطاب الديني المشوه: يُخفي أن الإسلام منح المرأة حق الميراث في بيئة جاهلية.


 النظرية و الفعل

1. التحرر الذاتي

"لن يحرر النساء إلا النساء أنفسهن".
تشترط السعداوي:

  • التمرد على الداخل أولًا: التخلص من عقدة "نقص العقل".

  • رفض ثنائية "الطهارة/العهر": التحرر من وصاية "شرف العائلة".

2. القوة التنظيمية

  • بناء قوة نسائية سياسية: ضغط منظم لتغيير القوانين.

  • تحالف مع حركات التحرر الوطني: كما في الجزائر وفلسطين، حيث كسرت المشاركة في الثورة قيود المرأة.

3. إعادة كتابة العلوم

تدعو لتأسيس:

  • علم نفس نسوي: يدرس شخصية المرأة خارج الإطار الذكوري.

  • تاريخ بديل: يكشف دور النساء في الحضارات.

  • بيولوجيا تحررية: تدرس جسد الأنثى غير المختون.


المعركة الداخلية والخارجية

"الحرية لها ثمن تدفعه المرأة المتحررة من صحتها وراحتها ونظرة المجتمع المعادية لها. لكن المرأة أيضًا تدفع ثمن العبودية... والأفضل أن تدفع الثمن فتكون حرة".

هذا الثمن يتجسد في:

  • العزلة الاجتماعية: نبذ الأهل والمجتمع.

  • التهديد الجسدي: كما حدث للسعداوي (السجن، التهديد بالقتل).

  • الصراع الوجودي: بين الرغبة في الانتماء والحاجة إلى الحرية.


 التقديس والرفض

اتهامات واجهتها السعداوي:

  • الإلحاد: بسبب نقدها توظيف الدين ضد المرأة.

  • معاداة الثقافة العربية: رغم تأكيدها: "في تراثنا إيجابيات يجب تعزيزها".

  • تدمير الأسرة: بدعوتها لمساواة جذرية في الزواج والطلاق.

أبرز الانتقادات الفكرية:

  1. تجاهل الاختلافات الثقافية: معادلة الظلم الغربي بالشرقي رغم اختلاف الآليات.

  2. المركزية الغربية في الحلول: تبني نموذج تحرر لا يراعي الخصوصية.

  3. تضخيم دور الصراع الطبقي: إغفال عوامل أخرى كالعولمة والقبلية.


الخاتمة: الإرث الفكري وامتدادات المعركة

رغم مرور نصف قرن على الكتاب، فإن أسئلته ما زالت حارقة:

  • كيف نفسر استمرار ختان ٩٠% من المصريات؟

  • لماذا ترفض ١٣ دولة عربية تجريم الاغتصاب الزوجي؟

تأثير السعداوي يتجاوز الكلمات إلى الفعل:

  • مؤسسيًا: تأسيس جمعية تضامن المرأة العربية (١٩٨٢).

  • رمزيًا: ترشيحها لنوبل كأيقونة عالمية.

  • فكريًا: إلهام جيل جديد من الكاتبات (نوال كامل، ميرال الطحاوي).

"الجمال هو أن تكون المرأة على حقيقتها... لا تزيف نفسها لترضي زوجها".

هذه العبارة تختصر فلسفة الكتاب: التحرر ليس رفاهية، بل شرط للإنسانية. الوجه العاري هنا ليس عري الجسد، بل عري الحقيقة بلا أقنعة

ملخصات أخري لنوال السعداوي

مذكرات طبيبةكسر الحدودالمرأة والجنس

إرسال تعليق

0 تعليقات