"كيف تكون قديسًا: تاريخ غريب للغاية ومتدنٍ إلى حد ما لأكبر شخصيات الكنيسة الكاثوليكية" لكيت سيدلي
مقدمة عامة عن الكتاب ومؤلفته
يقدم كتاب "كيف تكون قديسًا: تاريخ غريب للغاية ومتدنٍ إلى حد ما لأكبر شخصيات الكنيسة الكاثوليكية" (How to Be a Saint: An Extremely Weird and Mildly Sacrilegious History of the Catholic Church's Biggest Names) رحلة فكاهية وغنية بالمعلومات عبر عالم القداسة في الكنيسة الكاثوليكية.
كتبته كيت سيدلي، وهي كاتبة كوميدية حائزة على جوائز مرموقة مثل جائزة نقابة الكتاب الأمريكية (WGA) وجائزة بيبودي، وترشحت لجوائز إيمي، وتعمل كاتبة في برنامج "ذا ليت شو مع ستيفن كولبير". يُعد هذا الكتاب إصدارها الأول، وقد نُشر في 19 أغسطس 2025 بواسطة دار نشر "سورس بوكس"، ويقع في 224 صفحة من القطع الثقيل .
الكتاب يجمع بين التعليم التاريخي والفكاهة المتجدية، مقدماً نظرة مسلية لعملية تقديس الشخصيات (القديسين) في الكنيسة الكاثوليكية. يستهدف الكتاب جمهوراً واسعاً، من الكاثوليكيين طوال الحياة إلى محبي التاريخ الغريب، بل وحتى أولئك الذين لا علاقة لهم بالكاثوليكية أو الذين ينتقدونها. النبرة العامة للكتاب هزلية ولكنها ليست ساخرة أو مهينة، بل تنبع من فهم عميق وحتى محبة للتراث الكاثوليكي، كما لو كانت كاتبة تتحدث عن عائلتها بكل غرابتها وتفاصيلها المضحكة
الهيكل العام والمحتوى الرئيسي للكتاب
الإطار الهيكلي: "خمس خطوات سهلة(نوعًا ما)" للقداسة
يبنى الكتاب حول فكرة تقديم دليل عملي مزيف للقارئ الذي يطمح لأن يصبح قديسًا. تقدم سيدلي هذا الدليل في خمس خطوات أساسية، مع أن الكتاب أكثر من مجرد دليل إرشادي. هذه الخطوات تنظّم السرد وتوفر إطارًا لاستكشاف تاريخ وقداسة القديسين وتعقيداتها:
الخطوة الأولى: الموت - لا مفر من هذه الخطوة، وهي الشرط الأساسي لبدء عملية التقديس.
الخطوة الثانية: العيش بحياة ذات فضيلة بطولية - أو على الأقل، أن يُنظر إليك على أنك عشت مثل هذه الحياة بعد وفاتك.
الخطوة الثالثة: التحقيق في حياتك وفضائلك - حيث تدخل الكنيسة لتفحص سيرتك وتستعرض تفاصيل حياتك.
الخطوة الرابعة: تحقيق المعجزات - يجب أن تُنسب إليك معجزات بعد وفاتك، وعادة ما تكون معجزات طبية.
الخطوة الخامسة: التقديس الرسمي - حيث يمنحك البابا لقب "قديس" رسميًا.
على طول هذا الإطار، تدمج سيدلي قصصًا تاريخية، وحقائق غريبة، وتعليقات هزلية على عملية التقديس والمعتقدات الكاثوليكية.
نظرة على عملية التقديس (الكانونيزيشن)
يشرح الكتاب بالتفصيل العملية الإدارية المعقدة التي تتبعها الكنيسة الكاثوليكية لإعلان قديس جديد. هذه العملية، كما تصفها سيدلي، غريبة ومعقدة ومليئة بالإجراءات التي تطورت عبر القرون. من النقاط المثيرة للاهتمام:
دور "محامي الشيطان": كان هناك منصب رسمي في الكنيسة يُسمى "محامي الشيطان"، كان مهمته طرح كل الأسباب التي قد تمنع تقديس الشخص، مما يضمن فحصًا دقيقًا. تم إلغاء هذا المنصب لاحقًا، مما جعل عملية التقديس أسرع قليلاً.
أنواع الشهداء: يميز الكتاب بين الشهداء "الحمر" (الذين ماتوا موتًا عنيفًا بسبب إيمانهم) والشهداء "البيض" (الذين عاشوا حياة الزهد والتقشف الشديد، مثل المتصوفين والنساك).
تطور المعايير: تؤكد سيدلي أن معايير التقديس لم تكن ثابتة على مر التاريخ، بل تغيرت وفقًا لأجندات الكنيسة والسياقات التاريخية. بعض القديسين الأوائل تم تقديسهم بشعبية كبيرة دون تحقيق رسمي معقد.
استعراض حياة وموت القديسين الغريبة
قلب الكتاب النابض هو القصص الغريبة والمثيرة أحيانًا عن حياة وموت القديسين. تقدم سيدلي هذه القصص بقدر كبير من التفاصيل والتوقيت الكوميدي. بعض الفئات والامثلة التي تذكرها:
القديسون غير الحقيقيين أو الأسطوريين: مثل القديس كريستوفر، الذي تم شطبه من التقويم الرسمي في عام 1969 لأنه على الأرجح لم يكن شخصية حقيقية، لكنه يظل شائعًا بين المؤمنين.
قديسو "أطفال النيبو" (المحسوبية): عائلات بأكملها تم تقديسها، مثل عائلة القديس باسيل الكبير، التي قدست بالكامل – "ما يكفي لتشكيل فريق زلاجة وأعضاء احتياط".
الشهداء العذارى: قديسات مثل القديسة أغاثا، التي رفضت الزواج وماتت بشكل مروع، ويتم تخليدها بكعكات على شكل صدرها المقطوع.
القديسون "الزومبي": أولئك الذين لم يتحلّوا جسديًا بعد الموت أو ظهرت قصص عن أجسادهم غير المتحللة.
القديسات النساء والشهيدات: تلاحظ سيدلي أن العديد من القديسات متن في سن صغير وبطريقة وحشية، وغالبًا بسبب رفضهن للزواج أو التقدم الجنسي، مما يعكس أحيانًا أجندة كنسية لتعزيز قيم مثل العفة والطاعة.
النبرة والاسلوب الفكاهي
الكتاب مليء بالنكت والدعابة والسخرية اللطيفة. أسلوب سيدلي كوميدي يشبه إلى حد كبير برامج المساء الأمريكية مثل برنامج ستيفن كولبير (الذي كتب مقدمة الكتاب). تستخدم تشبيهات ثقافية أمريكية (التي قد لا يفهمها جميع القراء غير الأمريكيين)، المبالغات الكوميدية، والتعليقات الساخرة على التناقضات والغرائب في التاريخ الكاثوليكي.
وصف المعجزات: تسميها سيدلي "أي شيء سيصنع حلقة رائعة من مسلسل House الطبي"، في إشارة إلى أن معظم المعجزات هي شفاءات طبية غير مبررة.
النكات التاريخية: على سبيل المثال، تشير إلى سفر المكابيين الثاني في الكتاب المقدس باسم "هجوم المستنسخين"، في لعبة على أفلام Star Wars.
الحديث المباشر للقارئ: أحيانًا تتخيل حديثًا مع الله أو القديسين بأنفسهم، مما يضفي طابعًا شخصيًا وفكاهيًا.
على الرغم من ذلك، يشدد العديد من المراجعين على أن الفكاهة ليست خبيثة أو عدوانية، بل تنبع من مكان من المعرفة والاحترام الأساسي، حتى لو كان منتقدًا.
الجدية تحت السطح: البحث والقيمة التعليمية
على الرغم من الغلاف الفكاهي، فإن الكتاب مدعوم بأبحاث متعمقة. تتضمن سيدلي قائمة ببليوغرافية شاملة في النهاية، تظهر الجهد الكبير وراء النص الذي يبدو خفيف الظل. القراء، حتى المطلعين جيدًا على الكاثوليكية، يذكرون غالبًا أنهم تعلموا حقائق جديدة.
تفاصيل فنية: تشرح مصطلحات لاهوتية مثل الفرق بين "العبادة" لله و"التكريم" للقديسين، أو الفرق بين "التطويب" و"التقديس".
تاريخ الفن: تذكر رموزًا فنية مثل أشكال الهالات (مثل الهالات المربعة التي تشير إلى أن الشخص كان لا يزال على قيد الحياة عندما تم رسم اللوحة).
السياسة في التقديس: تلمح إلى كيف أن عملية التقديس كانت (ولا تزال) سياسية في كثير من الأحيان، حيث يتم تقديس أشخاص لتعزيز رسالة أو قيمة تريد الكنيسة التأكيد عليها. على سبيل المثال، جانا بيريتا مولا، التي تم تقديسها بعد رفضها للإجهاض في وقت كانت الكنيسة تحاول فيه تعزيز آرائها ضد الإجهاض.
آراء وانتقادات القراء من خلفيات مختلفة
أثار الكتاب ردود فعل متباينة ولكنها إيجابية في الغالب، وتعتمد بشكل كبير على خلفية القارئ وتوقعاته.
غير الكاثوليك والكاثوليك "العاديين"
غير الكاثوليك: وجدوا الكتاب مسليًا وغنيًا بالمعلومات دون الحاجة إلى خلفية دينية. استمتعوا بالتعرف على الغرائب دون الشعور بأنهم خارج نطاق المزحة.
الكاثوليك "العاديون" أو "الثقافيون": وهم أولئك الذين تربوا على الكاثوليكية ولكن ليسوا متشددين بشكل كبير. هذه المجموعة استمتعت بالكتاب أكثر. لقد رأوا فيه فرصة للضحك على التناقضات والذكريات الغريبة لتربيتهم الكاثوليكية (مثل الاحتفاظ بشمعة المعمودية في العلية دون معرفة ما يجب فعله بها). وجدوه صادقًا ومألوفًا.
محبوا التاريخ الغريب: استمتعوا بالكتاب كمجموعة من القصص التاريخية الغريبة والحقائق المثيرة للاهتمام، مشبهين إياه أحيانًا بـ "التواريخ المروعة" للكبار.
الكاثوليك المتدينون والمتشددون
الكاثوليك المتدينون والمتشددون: بشكل متوقع، قد يكون هذا الكتاب ليس لهم. أولئك الذين يعتبرون الدين أمرًا جادًا لا ينبغي السخرية منه قد يجدون النبرة مسيئة أو غير لائقة. بعض المراجعين الكاثوليك شعروا أنه بينما كان مضحكًا في بعض الأحيان، فإنه حاول بجدية كبيرة أن يكون مضحكًا في أقسام أخرى، أو أن الموضوع لا يستحق كل هذه السخرية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمعاناة الشهداء.
الانتقادات العامة
بغض النظر عن الخلفية، بعض الانتقادات المشتركة تشمل:
الإفراط في الفكاهة: شعر بعض القراء أن الكتاب حاول بجدية كبيرة أن يكون مضحكًا، مما أدى إلى نكت متكررة أو مصطنعة أحيانًا. البعض فضل أسلوبًا أكثر جدية قليلاً للسماح للقصص الغريبة بأن تروي نفسها بنفسها.
التركيز على الثقافة الأمريكية: بعض النكات والمراجع الثقافية كانت أمريكية جدًا ولم يفهمها القراء من خارج الولايات المتحدة، مما قلل من تأثيرها الكوميدي.
سطحية في بعض الأحيان: بسبب التركيز على الفكاهة وطبيعة القوائم، بعض الموضوعات أو القديسين لم يتم تناولهم بعمق كبير، وكان الكتاب سطحيًا في بعض الأقسام.
أخطاء واقعية طفيفة: أشار أحد المراجعين إلى وجود أخطاء طفيفة، مثل نسب قديسة إلى رعاية ليست لها حقًا.
قيمتة وتأثيره
"كيف تكون قديسًا" ليس مجرد كتاب كوميدي؛ إنه نافذة على تاريخ وثقافة الكنيسة الكاثوليكية من خلال منظور فريد وجذاب. إنه ينجح في تحويل موضوع قد يكون جافًا ومعقدًا إلى شيء سهل الوصول إليه، مسلي، ولا يُنسى.
قوة الكتاب تكمن في قدرته على جذب جمهور متنوع. يمكن للقارئ أن يضحك على غرابة القديسين الذين يأكلون الزيت المقدس أو أولئك الذين يحملون رؤوسهم المقطوعة، بينما في نفس الوقت يتعلم عن التطور التاريخي للعقيدة الكاثوليكية والاستراتيجيات الكامنة وراء عملية التقديس.
بالنسبة للكثيرين، فهو تذكير بأن الدين والتاريخ يمكن أن يكونا غريبين ومضحكين دون أن يفقدا أهميتهما. كما قال أحد المراجعين، يشبه الكتاب "أختًا أكبر تعرف بالضبط الأزرار التي يجب الضغط عليها" لأنها تعرف النظام من الداخل.
في النهاية، سواء كنت تبحث عن الضحك، أو التاريخ، أو الحقائق الغريبة، يقدم كتاب "كيف تكون قديسًا" رحلة فريدة من نوعها غريبة وممتعة ومثيرة للتفكير عبر أروقة القداسة الكاثوليكية الموقرة (والغير متوقعة في بعض الأحيان).
0 تعليقات