الفشل - مذكرات عن أمريكا

"Coming Up Short: A Memoir of My America" لروبرت رايش

نبذة عن الكتاب والمؤلف

روبرت برنارد رايش هو اقتصادي سياسي، وأكاديمي، ووزير العمل الأمريكي السابق في عهد الرئيس بيل كلينتون (1993-1997)، ومؤلف كتاب "Coming Up Short: A Memoir of My America". يُعد رايش شخصية مؤثرة في المشهد الفكري الأمريكي

حيث عمل أستاذًا في جامعة هارفارد وبرانديس، ويشغل حاليًا منصب أستاذ في كلية جولدمان للسياسات العامة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي. يُعرف بنقده اللاذع لعدم المساواة الاقتصادية وسياسات الليبرالية الجديدة، ودعوته الدؤوبة لتحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية أكبر .

صدر كتاب "Coming Up Short: A Memoir of My America" في 5 أغسطس 2025، ويحمل رقم ISBN: 9780593803288، ويضم 416 صفحة من القطع الثقيل. يجمع الكتاب بين السيرة الذاتية والسرد التاريخي والتحليل الاقتصادي والسياسي، مقدماً رؤية عميقة لتطور المجتمع الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الوقت الحاضر .

السيرة الذاتية والمسار المهني لروبرت رايش

وُلد روبرت رايش في عام 1946، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بتسعة أشهر، وهو نفس العام الذي وُلد فيه بيل كلينتون ودونالد ترامب، وصدر فيه فيلم "It's a Wonderful Life".

عانى رايش من حالة وراثية نادرة تسمى مرض فيربانك (Fairbank's Disease)، والتي توقفت عندها نمو عظامه عند طول 4 أقدام و11 بوصة (حوالي 150 سم) في مرحلة البلوغ. جعله هذا الطول هدفًا للتسلط والتنمر في طفولته، وهي تجربة شخصية عميقة أثرت بشكل كبير على نظرته للعالم ودفعته لقضاء حياته في محاربة الظلم والتنمر بجميع أشكاله .

تخرّج رايش من دارتموث، وحصل على منحة رودس للدراسة في أكسفورد، حيث التقى بيل كلينتون وتوطدت صداقتهما. حصل لاحقًا على درجة Juris Doctor من كلية ييل للحقوق. شملت مسيرته المهنية العمل في مجالات متعددة :

العمل الحكومي: بدأ مسيرته كمتدرب لدى السيناتور روبرت كينيدي، وعمل في اللجنة الوطنية للسياسات الصحية، وشغل منصب وزير العمل في عهد الرئيس بيل كلينتون، حيث عمل على سياسات حماية العمال ورفع الحد الأدنى للأجور.
الأوساط الأكاديمية: عمل أستاذاً في جامعة هارفارد، وبرانديس، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي.
التأليف والإعلام: ألف العديد من الكتب الأكثر مبيعًا،
مثل "Saving Capitalism" و"The Common Good"، وأصبح معلقًا سياسيًا بارزًا في وسائل الإعلام.

التقى رايش خلال مسيرته بالعديد من الشخصيات المؤثرة، مثل هيلاري رودام كلينتون في الكلية، وكلارنس توماس في كلية ييل للحقوق، كما كان صديقًا لكل من جون كينيث جالبريث، وبيرني ساندرز، وتيد كينيدي .

المحتوى الرئيسي للكتاب

يقدم الكتاب سردًا زمنيًا لحياة رايش، لكنه لا يقتصر على السيرة الذاتية فقط، بل يمتد لتحليل الأحداث التاريخية والسياقات الاقتصادية والاجتماعية التي شكلت أمريكا. ينقسم الكتاب إلى عدة أقسام رئيسية:

1. الطفولة والتكوين: النضال المبكر ضد التنمر

يصف رايش طفولته وكيف شكلت تجارب التنمر بسبب قصره هويته وتصميمه على الوقوف في وجه الظلم. يروي قصة مراهق دافع عنه مرة من المتنمرين، ليكتشف لاحقًا أن هذا المراهق، مايكل شويرنر، قد قُتل على يد Ku Klux Klan في ميسيسيبي أثناء مشاركته في حركة حقوق المدن. كانت هذه الحادثة محورية في تشكيل وعيه الاجتماعي والسياسي .

2. الصحوة السياسية: الستينيات والسبعينيات

يتناول هذا القسم فترة نضجه السياسي خلال أحداث تاريخية كبرى:

حركة الحقوق المدنية: تأثره العميق بموت صديقه وما شهده من عنف عنصري.
حركة حرية التعبير في بيركلي: مشاركته فيها وشهادته على قوة الاحتجاج الطلابي.
حرب فيتنام: معارضته الشديدة لها وعمله في حملة السناتور يوجين مكارثي الرئاسية المناهضة للحرب.
تجربة العمل مع روبرت كينيدي: الذي كان مصدر إلهام له، ووصف اغتياله بأنه خسارة فادحة للبلاد .

3. الدخول إلى عالم السياسة والسياسات الاقتصادية

يغطي هذا القسم مسيرته في واشنطن، بما في ذلك:

فترة عمله في إدارة كلينتون: يتحدث عن التحديات التي واجهها كوزير للعمل، وجهوده لتعزيز حقوق العمال، وزيادة الحد الأدنى للأجور، ومحاربة سياسات كسر النقابات. يقدم أيضًا تقييمًا نقديًا لإرث كلينتون الاقتصادي، مشيرًا إلى تنازلاته لليمين وأثر إلغاء قانون جلاس-ستيجال .
نقده للسياسات الاقتصادية: ينتقد بشدة خفض الضرائب على الأثرياء، وتفكيك القيود على القطاع المالي، وتزايد نفوذ جماعات الضغط والشركات، مما أدى إلى تفاقم عدم المساواة .

4. تقييم جيل طفرة المواليد: الإنجازات والإخفاقات

يحمل هذا القسم جوهر عنوان الكتاب، حيث يطرح رايش سؤالًا قاسيًا على نفسه وعلى جيله: "هل حققنا ما كنا نطمح إليه؟ هل جعلنا أمريكا أفضل؟". يعترف بأن جيله، "قصرّ" في العديد من الجبهات:

الاستسلام لقوة المال: سمح للثروة والشركات الكبرى بالسيطرة على الديمقراطية من خلال الضغوط السياسية وتمويل الحملات.
تفاقم عدم المساواة: فشل في معالجة الفجوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء، مما أدى إلى غضب وكراهية في جميع أنحاء البلاد.
صعود الشعبوية والديماغوجية: خلق الفراغ الذي مكّن لشخصيات مثل دونالد ترامب من الاستفادة من غضب وضياع الكثير من الأمريكيين .

5. التحليل والانتقادات

لا يقدم رايش مجرد سرد، بل تحليلًا لاذعًا للأسباب الجذرية لأزمات أمريكا:

مذكرة باول (Powell Memorandum): يربط بين هذه المذكرة السرية التي كتبها قاضي المحكمة العليا المستقبلي لويس باول في عام 1971 (التي دعت الشركات إلى تنظيم جهودها السياسية بشكل أكثر عدوانيه) وبين التحول الكبير نحو سيطرة الشركات على السياسة الأمريكية.
نقد وسائل الإعلام: يهاجم "الموضوعية الزائفة" أو "الانحياز لكلا الطرفين (Both-sides-ism)" في الصحافة، arguing أنه ليس من "الانحياز" وصف الحركات المناهضة للديمقراطية بما هي عليه، وأن فشل الصحافة في قول الحقيقة يعد خرقًا للأخلاقيات الصحفية.
انتقاد المحكمة العليا: ينتقد قراراتها التي أنهت قوانين تمويل الحملات وفتحت الباب أمام التبرعات غير المحدودة، وكذلك قراراتها التي تقوض حقوق التصويت.

الموضوعات الرئيسية في الكتاب

محاربة التنمر (Fighting Bullies): الموضوع الأكثر بروزًا في الكتاب. يربط رايش بين تنمر المدرسة على شخصه وبين الظلم والاستبداد الأوسع في المجتمع. يرى أن "الصراع المركزي للحضارة هو محاربة المتنمرين". ينظر إلى دونالد ترامب ليس كشذوذ، بل كتجسيد لظاهرة التنمر النظامي الذي تغذيه عدم المساواة والغضب .
الذاكرة الجمعية والأمل (Collective Memory and Hope): على الرغم من النقد القاسي، الكتاب ليس بيانًا لليأس. يؤمن رايش بقوة بالمثل الأمريكية الأصلية كما وردت في الدستور وإعلان الاستقلال وخطاب غيتيسبيرغ ونصب تمثال الحرية. يدعو إلى "استعادة patriotism" الحقيقي المبني على هذه المثل، وليس على القومية الضيقة.
الدعوة للعمل (Call to Action): الجزء الأخير من الكتاب هو بمثابة خطة عمل أو بيان تفاؤلي. يقدم رايش حلولاً عملية وسياسات مقترحة لإعادة أمريكا إلى مسارها، بما في ذلك:
- رفض "كلا الطرفين-ism" (Rejecting Both-sides-ism): الدعوة إلى التوقف عن معادلة السلوك الديمقراطي مع السلوك المعادي للديمقراطية.
- استعادة الرأسمالية الديمقراطية (Restoring Democratic Capitalism): إنشاء نظام اقتصادي يعمل لصالح الجميع، وليس فقط الأثرياء.
- تقاسم الأرباح (Sharing the Profits): تشجيع نماذج الأعمال التي توزع الثروة على العمال بشكل أكثر إنصافًا.
- جعل المجتمع صحيًا (Making Society Healthy): الاستثمار في الخدمات الاجتماعية، والتعليم، والرعاية الصحية .

النقد والاستقبال

تلقى الكتاب مراجعات إيجابية بشكل كبير، حيث أشاد الكثير من النقاد والقراء بأفكاره وصراحته وأسلوبه السردي الجذاب.

جينيفر سالاي (The New York Times): أشادت بالكتاب، مشيرة إلى أن رايش "لم يصبح أبدًا متنمرًا رغم تعرضه للتنمر. كرس حياته لتعزيز الإنصاف، وليس الانتقام". وأضافت أن كتبه "لها مركز أخلاقي لأنه لديه مركز أخلاقي"، ووصفته بأنه "استباقي بشكل ملحوظ" في تحذيره من مخاطر عدم المساواة .
السيناتور بيرني ساندرز: وصف الكتاب بأنه "مهم ومحفز"، قائلاً: "إنه حساب مهم ومنشط لحياة كرست للخدمة العامة، وهو مكان جيد للبدء" للذين يسعون للتغيير.
كيركوس ريفيوز (Kirkus Reviews): وصفت الكتاب بأنه "سرد حاد لمجتمع، كما يأسف رايش، يتسامح مع الأقوياء الذين يعتدون على الضعفاء".
بابليشرز ويكلي (Publishers Weekly): أشادت بالكتاب كـ"مذكرات سياسية عاطفية" و"حساب داخلي للفوضى الديمقراطية".
بوكليست (Booklist): منحت الكتاب مراجعة نجمية، ووصفته بأنه "تقييم واضح- ونقدي"، مشيرة إلى أن "تقييد رايش لمكانة أمريكا الموجهة هو كلا مخيب للآمال ومميز، على نحو مميز، مليء بالأمل".

الخاتمة: الأمل والتغيير

على الرغم من العنوان الذي يحمل نبرة اعتراف بالإخفاق، "Coming Up Short"، فإن كتاب روبرت رايش هو في جوهره عمل من أعمال الأمل والتحدي. لا يتخلى رايش عن القارئ لليأس، بل يقدم رؤية واضحة لكيفية يمكن للأمريكيين استعادة مجتمعهم وديمقراطيتهم. يعترف بإخفاقات جيله، لكنه يرفض قبول أن هذه الإخفاقات نهائية.

الكتاب هو أكثر من مجرد ذكريات؛ إنه نداء أخلاقي ملحّ للعمل. إنه يدعو القراء إلى التعرف على القوى التي تهدد الديمقراطية الأمريكية – عدم المساواة الاقتصادية، وسيطرة الأموال على السياسة، وصعود الاستبداد – واتخاذ إجراءات لمقاومتها. من خلال عدسة حياته الشخصية الاستثنائية، يقدم روبرت رايش دليلاً قويًا على كيفية فهم ماضي أمريكا المعقد من أجل بناء مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية.

باختصار، "Coming Up Short: A Memoir of My America" هو تأمل قوي وضروري في الدولة الأمريكية، يجمع بين الحكمة الشخصية، والتحليل التاريخي الحاد، والدعوة الملحة لقيم العدالة والمساواة التي لا تزال في صميم الحلم الأمريكي