الموت للنظام - تاريخ الاغتيالات الحديث

 
الموت للنظام - تاريخ الاغتيالات الحديث

 "Death to Order: A Modern History of Assassination" لـ Simon Ball

🔍 مقدمة عامة

 كتاب "Death to Order: A Modern History of Assassination" للبروفيسور سيمون بول (الأستاذ في جامعة ليدز والمتخصص في التاريخ الدولي والسياسة والاستخبارات والحرب الباردة) عملاً موسوعياً شاملاً يغوص في عالم الاغتيالات السياسية في التاريخ الحديث. 

يستعرض الكتاب كيف تحول الاغتيال من مجرد فعل فردي إلى أداة سياسية معقدة تستخدمها الدول والمنظمات لتحقيق أهدافها. يعتمد بول على أبحاث أرشيفية مكثفة من حواضر العالم لتحليل الظروف السياسية والاجتماعية التي مهدت لعمليات الاغتيال، والتقنيات المستخدمة فيها، وتداعياتها على المسرح الدولي.

 يغطي الكتاب فترة زمنية تمتد من اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند عام 1914 الذي أشعل شرارة الحرب العالمية الأولى، إلى عمليات الاغتيال الحديثة مثل استهداف قاسم سليماني عام 2020.

 الأفكار الرئيسية

يرى بول أن الاغتيال لم يعد مجرد "عملية فردية" أو "جريمة غامضة"، بل تحول إلى ظاهرة سياسية منظمة تؤثر بشكل عميق على العلاقات الدولية وموازين القوى. 

يجادل الكاتب بأن الاغتيالات أصبحت أداة تستخدمها الدول الديمقراطية (مثل الولايات المتحدة وإسرائيل) كما الأنظمة الاستبدادية، مما يضعنا أمام إشكاليات أخلاقية وقانونية معقدة.

 يرفض بول الفرضية التقليدية التي ترى أن الاغتيالات تغير مسار التاريخ بمفردها، بل يؤكد أنها غالباً ما تكون "شرارة في برميل من البارود" – أي أنها تعكس توترات قائمة مسبقاً وتسرع أحداثاً كانت ستحدث ربما بشكل أو بآخر.

 الهيكل والمحتوى

الاغتيال في العصر الحديث - من ساراييفو إلى الحرب الباردة

يبدأ بول كتابه بتحليل مفصّل لاغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند عام 1914، معتبراً إياه نقطة تحول في فهمنا لظاهرة الاغتيال. 

يوضح الكاتب أن هذا الحادث لم يكن من صنع فرد معزول (غافريلو برينسيب)، بل كان نتيجة مؤامرة منظمة دبرها "اليد السوداء"، وهي جمعية سرية صربية ذات روابط بالمخابرات الصربية.

 يشرح بول كيف استغلت النخبة السياسية في الإمبراطورية النمساوية المجرية هذا الحادث لتبرير الحرب على الصرب، مما أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى. 

ينتقل بول بعدها إلى تحليل موجة الاغتيالات التي شهدتها أوروبا في فترة ما بين الحربين، مثل اغتيال سيرجي كيروف في الاتحاد السوفيتي (الذي استغله ستالين لتبرير التطهير العظيم) ومحاولة اغتيال موسوليني على يد فيوليت جيبسون عام 1926.

 أمثلة على الاغتيالات البارزة في النصف الأول من القرن العشرين:

الضحيةالتاريخالجاني/المخططالتداعيات
فرانز فرديناند1914غافريلو برينسيب (اليد السوداء)إشعال الحرب العالمية الأولى
سيرجي كيروف1934وكالة ستالين الأمنيةالتطهير العظيم في الاتحاد السوفيتي
ليون تروتسكي1940رامون ميركادر (عميل ستاليني)إضعاف المعارضة اليسارية للستالينية
رينهارد هايدريش1942مقاومون تشيكوسلوفاكيونعمليات انتقامية وحشية (مثل مذبحة ليديس)

 الدولة والاغتيال - من التخطيط إلى التنفيذ

يركز هذا القسم على دور الدولة كفاعل رئيسي في عمليات الاغتيال. يحلل بول كيف تطورت تقنيات الاغتيال من عمليات بسيطة (مثل الطلقات النارية أو القنابل اليدوية) إلى عمليات معقدة تشمل السموم والمتفجرات المتطورة والطائرات بدون طيار. 

يقدم الكتاب دراسة حالة مفصلة حول اغتيال زعيم منشوريا تشانغ زولين عام 1928، الذي خططت له وأجرته المخابرات العسكرية اليابانية باستخدام متفجرات عسكرية عالية.

 يسلط بول الضوء على محاولات التغطية اليائسة التي تلي تلك العمليات، حيث يقدم مثالاً على كيفية نسج اليابان سلسلة من الروايات الكاذبة لإنكار تورطها، متضمنة اتهامات لخصوم سياسيين صينيين.

 الاغتيال في السياق الاستعماري وما بعد الاستعماري

ينتقل بول إلى تحليل الاغتيالات في سياق الحركات المناهضة للاستعمار وفي الدول حديثة الاستقلال.

 يبحث في حالات مثل اغتيال اللورد موين في القاهرة على يد مجموعة Lehi الصهيونية عام 1944، واغتيال السير هنري غورني (المفوض البريطاني في مالايا) عام 1951. يعبر بول عن تشككه في سواء هذه الاغتيالات أسهمت بشكل حاسم في إنهاء الاستعمار، بل يرى أنها كانت تعكس توترات موجودة مسبقاً وساهمت في تأجيج الصراعات الداخلية. 

يقدم الكتاب أيضاً تحليلاً مروعاً لاغتيالات الهند في فترة ما بعد الاستقلال، بما في ذلك اغتيال غاندي (1948) على يد متطرف هندوسي، واغتيال إنديرا غاندي (1984) على يد حراسها الشخصيين، واغتيال نجلها راجيف غاندي (1991) في هجوم انتحاري.

 تقنيات الاغتيال - من "السيجار المتفجر" إلى "جزار العشب"

يقدم هذا الفصل نظرة ثاقبة على التطور التكنولوجي والتكتيكي في تنفيذ الاغتيالات. ينتقد بول بشدة ما يسميه "ثقافة الاغتيال" داخل أجهزة الاستخبارات الغربية، لا سيما وكالة المخابرات الأمريكية خلال الحرب الباردة. 

يكشف كيف أصبحت تقنيات مثل "السيجار المتفجر" و"فرشاة الأسنان المسمومة" مقبولة بشكل مذهل في واشنطون، بل وتمت الموافقة عليها من قبل وزارة الخارجية والبيت الأبيض والرؤساء أنفسهم.

 يناقش بول كيف أدت التطورات التكنولوجية (مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ جو-أرض) إلى تغيير جذري في ممارسات الاغتيال، مما جعلها أكثر دقة وأبعد عن ساحة المعركة المباشرة. 

يقدم الكتاب تحليلاً لعمليات الاغتيال المستهدف في القرن الحادي والعشرين، مثل عملية "Grim Beeper" الإسرائيلية في لبنان (2024) التي استخدمت أجهزة النداء والراديات لاستهداف 1500 عنصر من حزب الله في يومين فقط.

 تطور تقنيات الاغتيال عبر الفترات التاريخية:

الفترة الزمنيةالتقنيات السائدةالأمثلة البارزة
1900-1950القنابل اليدوية، الطلقات الناريةاغتيال فرانز فرديناند، اغتيال تروتسكي
1950-2000السموم، السيارات المفخخةمحاولات اغتيال كاسترو، اغتيال جورجي ماركوف
2000-الحاضرالطائرات بدون طيار، الصواريخاغتيال بن لادن، قاسم سليماني

 مكافحة الاغتيال - أمن الدولة والردود الدولية

يحلل بول كيف استجابت الدول لتهديد الاغتيال من خلال تطوير أنظمة أمنية معقدة. يقدم دراسة مقارنة لأنظمة حماية الشخصيات المهمة، مثل السيارة المضادة للاغتيال التي صممتها Daimler-Benz لهتلر (1934) والتي كانت محاطة بفوج من 450 حارساً. 

يناقش أيضاً التحديات الأمنية للرؤساء الأمريكيين، من ثيودور روزفلت (الذي ادعى أنه يمكنه حماية نفسه بمسدسه) إلى جون كينيدي (الذي كان محاطاً بآلاف عناصر الخدمة السرية والشرطة المُ Horseback وCIA).

 ينتقد بول فكرة أن هذه الأنظمة الأمنية يمكن أن تكون مضمونة بالكامل، مشيراً إلى أن العامل البشري والظروف غير المتوقعة تظل عناصر حاسمة. يناقش أيضاً كيف تطور القانون الدولي لحظر الاغتيال (مثل الأمر التنفيذي للرئيس فورد عام 1976)، وكيف استمرت الدول في تجاوزه تحت مبررات "مكافحة الإرهاب" أو "الأمن القومي".

 الأبعاد الأخلاقية والسياسية - هل الاغتيال "أداة فعالة"؟

ينخرط بول في نقاش فلسفي وسياسي حاد حول جدوى الاغتيال كأداة سياسية.

 يستشهد برأي رئيس وحدة "Executive Action" في CIA عام 1961، الذي وصف الاغتيال بأنه "ملاذ أخير beyond الملاذ الأخير واعتراف بالضعف". 

يعرف أيضاً مفهوم "جزار العشب" (mowing the grass) الإسرائيلي، الذي يعتبر الاغتيال ليس مجرد إزالة أفراد، بل أسلوب لمكافحة الإرهاب يعمل فقط على نطاق واسع.

 يخلص بول إلى أن الاغتيال نادراً ما يحقق أهدافه الاستراتيجية الطويلة المدى، وغالباً ما يؤدي إلى تفاقم العنف وعدم الاستقرار. على سبيل المثال، اغتيال رفيق الحريري في بيروت (2005) أدى إلى خسارة سوريا نفوذها في لبنان، واغتيال قاسم سليماني (2020) زاد من التوترات في الشرق الأوسط.

 تقييم نقدي للكتاب

 نقاط القوة

  1. العمق البحثي: يعتمد بول على أرشيفات حكومية من مختلف أنحاء العالم، مما يمنح الكتاب مصداقية استثنائية. المراجعات تشيد بـ "الطبيعة الموسوعية" و"الثراء الوثائقي" للعمل.

  2. النطاق الزمني والجغرافي الواسع: يغطي الكتاب فترة تمتد لأكثر من قرن ويضم أمثلة من كل القارات، مما يقدم رؤية شاملة حقاً.

  3. التحليل السياسي الدقيق: يركز بول على الأبعاد السياسية والدولية للاغتيال، متجنباً الانغماس في نظريات المؤامرة أو التكهنات الإثارة.

 نقاط الضعف

  1. الاتساع على حساب العمق: بعض المراجعات (مثل مراجعة أندرو غلازارد في The Observer) تشير إلى أن محاولة بول تغطية عدد هائل من الحوادث أدت إلى تحليل سطحي لبعض الاغتيالات الرئيسية (مثل غاندي وكينيدي)، التي حظيت ببضع جمل فقط.

  2. إشكالية التعريف: ينتقد بعض المراجعين تعريف بول الواسع للاغتيال (أي أي قتل لأغراض سياسية)، مما يجبره على تضمين حوادث قد لا تستحق التحليل بنفس العمق.

  3. نقص في التحليل الأخلاقي المتعمق: على الرغم من وجود فصل عن الأبعاد الأخلاقية، إلا أن بعض القراء قد يرغبون في مناقشة أعمق للتداعيات الفلسفية والقانونية للاغتيال في العالم المعاصر.

  أهمية الكتاب واستمراريته

يخلص سيمون بول إلى أن الاغتيال أصبح سمة دائمة في السياسة الدولية، حيث تواصل الدول استخدامه كأداة بالرغم من الأدلة على عدم فعاليته غالباً وعواقبه غير المقصودة. 

يقول بأن التكنولوجيا المتطورة (مثل الطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي) تجعل الاغتيال أسهل من الناحية الفنية، لكنها لا تحل المعضلات السياسية والأخلاقية الجوهرية.

 يظل الكتاب مساهمة حيوية في فهمنا لكيفية عمل القوة في العلاقات الدولية، وكيف يمكن للعمليات السرية أن تشكل الأحداث العالمية بطرق خفية غالبا. في عالم حين تستمر الاغتيالات (مثل محاولة اغتيال ترامب عام 2024) في الصدارة، يقدم "Death to Order" سياقاً تاريخياً لا يقدر بثمن ونداءً للتفكير النقدي في حدود العنف السياسي.

 ملخصا

"Death to Order: A Modern History of Assassination" ليس مجرد سجل للحوادث المثيرة، بل هو تحليل دقيق ومضني لكيفية استخدام الدول والمنظمات للقتل المستهدف كـ أداة سياسية. 

على الرغم من بعض أوجه القصور، يظل العمل مرجعاً أساسياً لأي شخص مهتم بـ التاريخ السياسي والاستخبارات والعلاقات الدولية. كتاب بول يذكرنا بأن الاغتيال ليس مجرد فصل غامض في التاريخ، بل هو ظاهرة مستمرة تتطلب فهمنا ويقظتنا الأخلاقية

إرسال تعليق

0 تعليقات