"The Age of Hitler and How We Will Survive It" لأليك رايري
مقدمة عامة عن الكتاب
"The Age of Hitler and How We Will Survive It" (عصر هتلر وكيف سننجو منه) هو كتاب للمؤرخ البريطاني أليك رايري، صدر في أغسطس من عام 2025 عن دار "ريأكشن بوكس". يُقدم رايري، وهو أستاذ تاريخ المسيحية في جامعة دورهام ومتخصص في تاريخ الإصلاح البروتستانتي، من خلال هذا الكتاب أطروحة ثقافية وفلسفية جريئة تخرج قليلاً عن مجال تخصصه الدقيق.
يدور الكتاب حول فكرة محورية وهي أن هتلر والنازية أصبحا المحور المركزي للخيال الأخلاقي الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، ليحلا محل المكانة التي كانت للمسيح والنموذج المسيحي في السابق. يجادل رايري بأن هذا "العصر الهتلري" آخذ في الانتهاء مع تلاشي الذاكرة الحية لتلك الحرب، مما يدفعنا إلى عصر جديد من عدم اليقين الأخلاقي والصراعات الثقافية.
الكتاب قصير نسبياً (حوالي 160 صفحة) لكنه طموح، حيث يقدم تحليلاً لتاريخ الأخلاق الحديث ونظرة على المستقبل الذي ينتظرنا. يستكشف رايري من خلاله كيف شكلت قصة الحرب العالمية الثانية وعبرتها الأخلاقية – التي ترمز إلى هتلر كشر مطلق – القيم السائدة في المجتمعات الغربية، من السياسة الخارجية إلى الثقافة الشعبية مثل "حرب النجوم" و"هاري بوتر".
يخلص الكتاب إلى طرح سؤال مصيري: كيف يمكننا بناء إجماع أخلاقي جديد في عالم لم يعد فيه الاتفاق على رفض النازية كافياً لتحقيق التماسك الاجتماعي؟
خلفية عن المؤلف والكتاب
أليك رايري هو مؤرخ حائز على جوائز معروف بأعماله حول تاريخ الإصلاح البروتستانتي والشك الديني، مثل كتاب "Unbelievers: An Emotional History of Doubt".
يعترف رايري صراحة في مقدمة الكتاب وفي مقابلاته بأنه يخرج هنا من مجال تخصصه كمتخصص في القرن السادس عشر إلى مجال التاريخ المعاصر والتعليق الثقافي.
هذا الانعطاف هو ما جعل بعض النقاد يشيرون إلى أن منهجية الكتاب تفتقر أحياناً إلى العمق الأكاديمي المتوقع في بعض الحقول التي يتطرق إليها، مثل علم الاجتماع.
هيكل الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية:
الجزء الأول: كيف وصلنا إلى هنا: يتتبع التحول من النموذج الأخلاقي المسيحي إلى النموذج القائم على رفض هتلر.
الجزء الثاني: أين نحن الآن: يحلل التكاليف والإشكاليات الناجمة عن جعل النازية المحور الأخلاقي المركزي.
الجزء الثالث: إلى أين نتجه بعد ذلك: يقدم رؤية لكيفية المضي قدماً نحو توليف أخلاقي جديد.
من المسيح إلى هتلر
الفحوى الأساسية التي يبني عليها رايري كتابه هي أن المجتمعات الغربية، وخاصة البريطانية منها، شهدت تحولاً جذرياً في مرجعيتها الأخلاقية العليا خلال القرن العشرين.
فبينما كان يسوع المسيح هو النموذج الأخلاقي المهيمن الذي يُحتذى به، حتى من قبل الملحدين الذين كانوا يعجبون بأخلاقه رافضين لاهوته، أصبح أدولف هتلر هو النموذج السلبي الذي يُحدد الخير من خلال تجنب الشر الذي يمثله.
سقوط النموذج المسيحي
يرى رايري أن الحربين العالميتين أسهمتا في تقويض مصداقية المسيحية كمرشد أخلاقي. فالمسيحيون من جميع الأطراف انخرطوا بحماس في حروب قومية شاملة
مما أفقد الكنيسة مكانتها الأخلاقية العليا. مع بروز الحقائق الكاملة لفظائع الهولوكوست، لم يعد من المقنع للكثيرين الحديث عن "الحضارة المسيحية" كضامنة للقيم، خاصة وأن بعض المسيحيين في دول الحلفاء كانوا في البداية أكثر قلقاً من تهديد البلشفية من قلقهم من تهديد النازية.
صعود النموذج الهتلري
في الفراغ الأخلاقي الناتج، ولد ما يسميه رايري "الدين الحقيقي للعالم ما بعد الحرب: الحرب العالمية الثانية". أصبحت قصة الحرب قصة تأسيسية جديدة، قصة خير مطلق (الحلفاء) ينتصر على شر مطلق (هتلر والنازية).
لم يعد التركيز على ما نؤمن به بشكل إيجابي، بل على ما نرفضه ونكرهه. أصبح هتلر هو "الشر المطلق" و"الشخصية الأكثر قوة في المجتمع الغربي"، لدرجة أن الرمز المعكوس للصليب – الصليب المعقوف – أصبح "طوطم عصرنا".
جدول يوضح التحول من النموذج المسيحي إلى النموذج الهتلري
المعيار | النموذج المسيحي (ما قبل الحرب) | النموذج الهتلري (ما بعد الحرب) |
---|---|---|
النموذج المركزي | يسوع المسيح (نموذج إيجابي يُحتذى به) | أدولف هتلر (نموذج سلبي يُتجنب) |
طبيعة الأخلاق | قائمة على المحبة والفضائل الإيجابية | قائمة على الرفض والتحريم (ما لا نريد أن نكون) |
المصدر الأخلاقي | النصوص الدينية والتعاليم الكنسية | دروس تاريخية مستمدة من الحرب العالمية الثانية ومحرقة الهولوكوست |
الرمز البصري | الصليب أو الصليب المقلوب | الصليب المعقوف (كرمز للشر) |
مظاهر "العصر الهتلري" في الثقافة والمجتمع
يشرح رايري كيف أن هذا "العصر الهتلري" لم يكن مجرد ظاهرة سياسية، بل اخترق كل جوانب الثقافة الغربية، مما يجعل من الصعلوك النمسوي "المحور الذي تدور حوله غرائزنا الأخلاقية".
في السياسة والحقوق
بعد الحرب، تم تأسيس نظام عالمي جديد قائم على مفاهيم مثل الحقوق العالمية للإنسان والحريات الأربع التي أعلنها روزفلت (حرية التعبير، حرية العبادة، التحرر من العوز، التحرر من الخوف). هذه المفاهيم، كما يرى رايري، تم تقديمها كبديل علماني للتأسيس الديني للأخلاق.
لكنها في الواقع أصبحت "ديناً جديداً لعصر علماني"، إيماناً "قلعياً في الهواء" يفتقر إلى أساس متين، حيث أن فكرة "الحقوق" غير قابلة للإثبات بشكل موضوعي وهي مفهوم حديث في التاريخ البشري. في السياسة العملية، أصبحت "مقارنة الخصم بهتلر" سلاحاً خطيراً.
يستشهد رايري بكيفية استخدام رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون للتشبيه بهتلر في خطاباته حول الاتحاد الأوروبي، وكيف أن إدارة جورج بوش الابن استخدمت خطاب "استرضاء هتلر" لتبرير غزو العراق عام 2003، مما منح الحرب زخماً أخلاقياً كاذباً.
في الثقافة الشعبية
يلاحظ رايري أن قصة الحرب العالمية الثانية حلت محل الأساطير التقليدية في الخيال الجمعي. فأصبحت "حربنا التروجانية، وفقداننا للجنة" كما يقول. الأشرار في السرديات الحديثة، من ساورون في "سيد الخواتم" إلى الإمبراطور في "حرب النجوم" وفولدمورت في "هاري بوتر"، هم جميعاً في الأساس "عروض تقديمية لنكتة النازية".
حتى في الكوميديا، كما في حلقة من مسلسل "ساينفيلد" الشهيرة حيث يصنع جيري سيكونل عجينة ذات مذاق رائع ثم يرفض تناولها لأنه أدرك أنه صنعها باستخدام وسادة تحمل صورة الصليب المعقوف، نرى كيف أن الرمز النازي أصبح علامة أخلاقية فورية للشر المطلق.
إشكاليات وقيود النموذج القائم على رفض هتلر
يرى رايري أن الاعتماد على هتلر كحجر أساس للأخلاق له أربع مشاكل رئيسية تجعله غير كافٍ وربما خطيراً:
أخلاقيات سلبية: النظام الأخلاقي السلبي (معرفة ما نكره) لا يخبرنا أبداً بما نحب أو ما نؤمن به بشكل إيجابي. إنه يخلق فراغاً حول "الخير" ولا يقدم رؤية إيجابية للحياة الجيدة، مما يؤدي إلى مجتمع يعرف كيف "يلغي" ولكن ليس كيف يشجع.
دروس تاريخية خاطئة: الاعتقاد بأن كل نزاع هو معركة بين الخير المطلق والشر المطلق، على غرار الحرب العالمية الثانية، هو تبسيط مخل. معظم الحروب في التاريخ أكثر تعقيداً وتنتهي بمفاوضات وتسويات وليس باستسلام غير مشروط. تطبيق نموذج "هتلر" على كل نزاع يقود إلى سياسة خارجية عدوانية وغير واقعية.
تسييس الحرب: جعل الحرب (حتى لو كانت عادلة) المحكمة الأخلاقية المركزية للمجتمع يشوه الأخلاق ويمجد العنف كحل وحيد، مما يحجب بدائل مثل اللاعنف والدبلوماسية.
التناقض الجوهري: النظام القائم على "الحقوق العالمية" يدعي الكونية، لكنه في الواقع قائم على قصة تاريخية غربية خاصة. هذا التناقض يجعل هذه القيم هشة وقابلة للرفض من قبل ثقافات أخرى لم تشترك في التجربة الأوروبية نفسها.
نهاية العصر الهتلر وآفاق المستقبل
يؤكد رايري أننا نعيش حالياً نهاية هذا "العصر الهتلري".
ذاكرة الحرب تتلاشى مع رحيل الجيل الذي عاشها، والتحولات الديموغرافية والثقافية في الغرب – مع قدوم ملايين المهاجرين من خلفيات غير أوروبية – تعني أن الهولوكوست لم يعد "الحقيقة التاريخية المركزية" التي تملك احتكاراً للسلطة الأخلاقية. تبرز جرائم أخرى، مثل تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي واستعمار الإمبراطوريات الأوروبية، لتطالب بحصتها من الاهتمام الأخلاقي.
في الوقت نفسه، نرى انهيار التحريمات التي كان يحميها الإجماع المناهض للنازية. على اليمين، تزدهر أحزاب ذات شعبية تتحدى بشكل صريح قيم ما بعد الحرب.
على اليسار، تتحدى سياسات الهوية الجديدة مفاهيم كانت بديهية في السابق، مثل فكرة أن معاداة السامية شر استثنائي يجب تجنبه بأي ثمن. النتيجة، كما يلاحظ رايري بمرارة، هي أن "كلا الجانبين بدآ مرة أخرى في البصق بسُمّية تجاه اليهود".
رؤية للتوليف الأخلاقي
بدلاً من اليأس، يختتم رايري كتابه برؤية للتغلب على "حروب الثقافة" من خلال توليف أخلاقي بين التقاليد الجذرية (كالمسيحية) وقيم عصر ما بعد هتلر (كالحقوق الإنسانية). يوجه خطابين:
إلى العلمانيين التقدميين: يحثهم على الإيمان بقيم ما بعد النازية، ولكن أيضاً على إدراك أن هناك حكمة في التقاليد الجذرية (مثل المسيحية) التي لا ينبغي اعتبارها مجرد تعبيرات عن "بدائية" معينة. عليه أن يتوقف عن النظر إلى كل تقليد على أنه تمييز يجب إزالته.
إلى المحافظين التقليديين: يحثهم على الإيمان بفضائل الإيمان الديني، ولكن أيضاً على قبول أن قيم الحقوق والحرية يمكن أن تندمج بشكل مثمر مع المبادئ المسيحية للتوبة والمغفرة والتواضع. عليه أن يتخلى عن النزعة الرجعية.
الهدف هو استعادة الإحساس التقليدي بما هو "خير" مع الإحساس الحديث بما هو "شر"، لإنهاء الحروب الثقافية من خلال حوار محترم يبني إجماعاً أخلاقياً جديداً يكون أكثر ثراءً وإيجابية من مجرد "عدم أن تكون مثل هتلر".
تقييم نقدي للكتاب
الكتاب حظي باهتمام نقدي كبير لجرأته وأهميته، لكنه أيضاً تلقى بعض الانتقادات الجديرة بالذكر:
القوة والإقناع: أشاد النقاد بأطروحة رايري الرئيسية ووصفوها بأنها "مثيرة للفكر" و"مقنعة" و"مكتوبة بمهارة". وصف جيلز فرايزر من مجلة "لِتِراري ريفيو" الكتاب بأنه "لا يمكن تفويته" كتعليق على الحالة الأخلاقية لعصرنا.
المنهجية المحدودة: انتقد البعض، مثل الكنسي روبن غيل، كتاب رايري لتقديمه إرجاعات تاريخية "مقتضبة" وإهماله أدبيات أكاديمية غنية في مجالات مثل علم الاجتماع (مثل أعمال تشارلز تايلور) والفلسفة (مثل أعضاء ألسدير ماكنتاير المؤثرة)، معتمداً بشكل كبير على أطروحة كالوم براون "غير الموثوقة" حول العلمنة.
الحلول الضبابية: وجد بعض المراجعين، مثل كاتب "بابلشرز ويكلي"، أن الجزء الأخير من الكتاب الذي يقدم الحلول يكون أحياناً "مبهماً" أو "متفائلاً" أكثر من اللازم، حيث أن رؤية "التوليف الأخلاقي" تفتقر إلى الوضوح والإلحاح الموجود في قسم التشخيص.
النظرة الغربية المركزية: أشار قارئ من كرواتيا في مراجعة على "غود ريدز" إلى أن إطار رايري ينطبق بشكل أساسي على تجربة الدول الغربية المنتصرة في الحرب (بريطانيا والولايات المتحدة)، بينما كانت تجربة دول أوروبا الشرقية، التي عانت تحت الحكم الشيوعي، مختلفة جذرياً. بالنسبة لهم، انتهى "عصر هتلر" في التسعينيات مع انهيار اليوغوسلافية التي بُنيت هويتها على مناهضة الفاشية.
خاتمة
يقدم كتاب "The Age of Hitler and How We Will Survive It" تشخيصاً قوياً ومهماً لليم الأزمة الأخلاقية التي يمر بها الغرب.
إنه يساهم بشكل أساسي في فهم كيف أن ماضياً عنيفاً ومؤلماً لا يزال يشكل حاضرنا بطرق خفية ولكن عميقة.
إذا كانت الحلول التي يقدمها تبدو أقل وضوحاً من تشخيصه للمشكلة، فإن قيمة الكتاب تكمن في قدرته على رفع الوعي بالسؤال الأكثر إلحاحاً في عصرنا: على أي أساس يمكننا بناء أخلاقيات مشتركة في مجتمعات ما بعد المسيحية وما بعد الهولوكوست؟
الكتاب ليس مجرد تأمل في الماضي، بل هو دليل ثاقب ومقلق للتحديات التي ستشكل القرن الحادي والعشرين
0 تعليقات