الثوار - تاريخٌ مُصوَّرٌ للمقاومة ضد الفاشية

الثوار - تاريخٌ مُصوَّرٌ للمقاومة ضد الفاشية

 

ملخص كتاب "Partisans: A Graphic History of Anti-Fascist Resistance"

 مشروع توثيق المقاومة عبر وسيط فني

يُمثل كتاب "Partisans: A Graphic History of Anti-Fascist Resistance" مشروعاً طموحاً يسعى لتوثيق تاريخ المقاومة المناهضة للفاشية في فترة الحرب العالمية الثانية عبر وسيط القصص المصورة. حرر هذا العمل كل من ريموند تايلر وبول بوهل، ونُشر عام 2025 بواسطة دار "Between The Lines"، ويمتد على 148 صفحة. يجمع الكتاب بين دفتيه إحدى عشرة قصة مصورة جديدة كلياً من إبداع مجموعة من الكُتاب والرسامين، منهم من هو معروف على نطاق واسع وآخرون واعدون.

يأتي هذا العمل في وقت يشهد اهتماماً متجدّداً بتاريخ مقاومة الفاشية، كما يشير بول بوهل نفسه في مقال آخر، حيث يذكر ظهور العديد من الأعمال الفنية والأدبية التي تُذكّر بنجاحات المقاومة في الماضي.

 الهدف الرئيسي للكتاب، كما يُوضح في مقدمته، هو "قلب صفحة جديدة في الفهم الشعبي للمقاومة المناهضة للنازية والفاشية"

لا يكتفي العمل بسرد الأحداث التاريخية، بل يسعى لتقديم إلهام للمعارضة الحديثة من خلال استحضار شجاعة وتضحيات أولئك الذين قاوموا الظلامية في أوروبا المحتلة. 

يُصرّ المحرران على أن "التاريخ لا يكرر نفسه. لكن مثال الشجاعة الذي قدّمه المقاومون (Partisans) لا يجوز ولا يمكن أن يُنسى في زماننا. يجب أن نجد طرقنا الإبداعية الخاصة، فردياً وجماعياً، لمواجهة التحدي".

السياق التاريخي والفني للكتاب

المقاومة المناهضة للفاشية: خلفية تاريخية

يركز الكتاب على حركات المقاومة المناهضة للفاشية التي نشطت خلال الحرب العالمية الثانية، مع الإشارة إلى أن جذور العديد من هذه الحركات تعود إلى تجارب سابقة، وأبرزها الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)

حيث قام العديد من المناهضين للفاشية بالقتال في صفوف الجمهوريين ضد قوات فرانكو المدعومة من الفاشيين، وعادوا إلى بلدانهم بخبرة عسكرية وسياسية ثمينة وظّفوها لاحقاً في مقاومة الاحتلال النازي

يشمل مصطلح "Partisan" في هذا السياق مجموعة واسعة من المجموعات التي قادت حرب عصابات ضد قوى المحور، من الجبال الوعرة في البلقان إلى المناطق الحضرية في أوروبا المحتلة. ما يميز هذه الحركات، كما يبرزها الكتاب، هو تنوعها الكبير؛ إذ ضمت رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً، من خلفيات قومية وطبقية مختلفة، متحدين في هدفهم المشترك.

تطور قصص المصور المناهضة للفاشية

يأتي هذا الكتاب ضمن تقليد فني وأدبي طويل يسعى لتوثيق هذه المقاومة. فبعد فترة قصيرة من دخول الولايات المتحدة الحرب، ظهرت بعض القصص المصورة التي تحمل رسالة مناهضة للفاشية، مثل سلسلة "The Boy Commandos" التي أنشأها جو سيمون وجاك كيربي، والتي تناولت مجموعة من المراهقين من جنسيات مختلفة يقومون بأعمال تخريب خلف خطوط الألمان والإيطاليين.

 إلا أن فترة الحرب الباردة شهدت تراجعاً لهذا النوع من المحتوى. ومع ظهور "الكومكس البديلة" (Alternative Comics)، برز الفنانون الإسبان كأكثر المناهضين للفاشية حماسة، حيث قدموا أعمالاً كلاسيكية مثل "Paracuellos" التي تحكي قصص الناجين من الحرب والقمع الذي تلاه. كما شهدت إيطاليا إنتاج العديد من الروايات المصورة عن المقاومة، بسبب الطابع "المجيد وغير الملوث" لانتصار المقاومين هناك في عام 1945.

 يُعتبر كتاب "Partisans" استمراراً لهذا التقليد، لكنه يتميز بكونه مشروعاً شمال أمريكياً يجمع بين فريق دولي من الفنانين، ويبني على الدراسات التاريخية الحديثة التي ركزت على دور المجتمعات المحلية والنساء والأطفال في جهود المقاومة.

 قصص متنوعة وأساليب فنية

نظرة عامة على فصول الكتاب

يقدم الكتاب إحدى عشرة قصة مصورة، كل منها تُكرس لمقاومة في سياق جغرافي وتاريخي مختلف. يبدأ الكتاب بجدول زمني لأحداث الحرب العالمية الثانية في أوروبا، يليه مقدمة من المحررين. فيما يلي بعض القصص البارزة التي يتضمنها العمل:

الفصل / القصةالكاتب / الرسامالسياق الجغرافي والتاريخي
قدامى محاربي الحرب الأهلية الإسبانيةشارون رودالدور المتطوعين الدوليين الذين حاربوا الفاشية مبكراً في إسبانيا ثم واصلوا القتال في الحرب العالمية الثانية.
المقاومة الهنغاريةقصة: ساندر فاينبرغ، رسم: سمر ماكلينتونتكريم للمقاومين في هنغاريا ضد الاحتلال النازي وحلفائه.
الحرية أو الموت: المقاومون الفرنسيوندانييل سيليغتطور المقاومة الفرنسية، مع إشارة للمثقفين مثل جان بول سارتر.
تيتو بارتيزانزسيث توبوكمانمقاومة بقيادة تيتو في يوغوسلافيا (كرويا والبوسنة).
بيكولا ستافيتاقصة: فرانكا بانرمان ولويسا سيتي، رسم: إيزابيلا بانرمانقصة من إيطاليا خلال صعود موسوليني، تربط الماضي بالحاضر.
أنداريتكو: محاربة الفاشية في اليونانديفيد ليستردراسة لمقاومي الأنداريتكو في اليونان، بجذور تعود للإمبراطورية العثمانية.
ثلاث فتيات هولنديات: مقاومات مراهقات في هولنداقصة: ترينا روبينز، رسم: آن تيمونزقصة حناي شافت والأخوات تروس وفريدي أوفرستيجين.
انتفاضة: مقاوم يهودي في أوروبا الشرقيةديفيد لاسكيمذكرات مقاوم يهودي في أوروبا الشرقية.
المقاومون السوفييتقصة: ريموند تايلر، رسم: غاري ولورا دومجهود المقاومة في الأراضي السوفييتية المحتلة.

تحليل القصص البارزة والأساليب الفنية

  1. ثلاث فتيات هولنديات: نموذج للتضحية النسائية
    تروي هذه القصة، التي كتبتها ترينا روبينز ورسمتها آن تيمونز، قصة هاني شافت والأخوات تروس وفريدي أوفرستيجين، ثلاث شابات مراهقات جذبن إلى صفوف المقاومة الهولندية. ت detail القصة كيفية تجنيد الفتيات واختبارهن (هل سيكونن قادرات على قتل رجل؟)، أول عملية قتل لهن، وتطورهن داخل صفوف المقاومة، وأخيراً فصل وإعدام هاني على يد النازيين. كانت ترينا روبينز، وهي كاتبة نسوية وناشطة في مجال حقوق مجتمع الميم، تشعر بشعور قوي تجاه إساءة استخدام الرئيس ترامب للسلطة، وكانت ستفتخر بأن قصة هؤلاء النساء القويات هي كلمتها الأخيرة في عالم القصص المصورة. من الناحية الفنية، يتميز أسلوب تيمونز بالوضوح والتعبيرية، مما ينقل بشاعة الحرب وشراسة المقاومة النسائية.

  2. بيكولا ستافيتا: جسر بين الماضي والحاضر
    في هذه القصة، التي تستند إلى كلمات والدة الفنانة إيزابيلا بانرمان، فرانكا بانرمان، التي نشأت خلال صعود موسوليني، يتم تقديم أكثر المقارنات صراحة بين الماضي والحاضر. حيث ترى الراوية تشابهاً واضحاً بين ذلك الديكتاتور الفاشي والرئيس الأمريكي السابق. هذا الربط الصريح يجعل القصة واحدة من أكثر القصص إلحاحاً في المجموعة، حيث تهدف إلى تنبيه القارئ إلى أن علامات التسلط الفاشي يمكن أن تعود في أي وقت ومكان.

  3. أنداريتكو: القتال في اليونان
    قدم ديفيد ليستر، المعروف بروايته المصورة التاريخية ذات الطابع الدرامي، دراسة عن مقاومات الأنداريتكو في اليونان. أسلوب ليستر يُوصف بأنه شجاع، جريء، وديناميكي يحافظ على استمرارية الحركة في السرد. تتعمق القصة في جذور المقاومة اليونانية التي تعود إلى زمن الإمبراطورية العثمانية، مما يضيف بُعداً تاريخياً أعمق للنضال ضد الفاشية.

  4. المقاومة الفرنسية: دور المثقفين
    قصة دانييل سيليغ عن المقاومة الفرنسية تتبع نهجاً مباشراً يوضح تطور المقاومة الفرنسية خطوة بخطوة. من اللحظات المميزة في هذه القصة هي الإشارة السريعة والدقيقة إلى المساهمة الفكرية والإبداعية للمثقفين مثل جان بول سارتر، بول إلوارد، وإلسا بارين. هذا يذكر القارئ بأن المقاومة لم تكن مسلحة فقط، بل شملت أيضاً معركة الأفضاء الثقافية والفكرية.

ما يجمع بين هذه القصص المتنوعة هو الإلحاح على ربط النقاط بين الماضي والحاضر. كل قصة، بأسلوبها الفني المميز، تسعى لجعل النضال الإنساني على مستوى يمكن للقارئ المعاصر أن يتعاطف معه ويتعلم منه. الأساليب الفنية تتراوح بين الواقعية والرمزية، بين القصص الشخصية الحميمة والعروض التاريخية الأوسع، مما يخلق تجربة قراءة غنية ومتنوعة.

الأهمية المعاصرة وردود الفعل النقدية

قراءة الماضي لمواجهة الحاضر

واحدة من الرسائل المركزية للكتاب هي أن الكفاح ضد الفاشية لم ينته بعد. في ظل صعود التيارات القومية المتطرفة والشعبوية في العديد من أنحاء العالم، يقدم الكتاب دروساً تاريخية ثمينة. 

يشير أحد المراجعين إلى أنه "بينما تمر الأيام، بل والأشهر، بل والسنوات، يبقى المستقبل غامضاً وكئيباً. شيء واحد مؤكد، نحن جميعاً بحدة إلى أكبر قدر ممكن من التأمل الهادئ"، وهذا بالضبط ما توفره قصص المقاومين: لحظات للتأمل واستخلاص العبر. 

الكتاب لا يقدم إجابات جاهزة، بل يقدم أمثلة على الشجاعة الأخلاقية والتضحية الجماعية التي يمكن أن تلهم الأجيال الحالية لتجد "طرقها الإبداعية الخاصة، فردياً وجماعياً، لمواجهة التحدي".

استقبال النقاد والقراء

تلقى الكتاب ثناءً كبيراً من مؤرخين ونقاد وفنانين. علق أوليفر ستون وبيتر كوزنيك قائلين: "إنه يعتمد على أحدث الأبحاث... شرح هذا الجزء القليل المعروف على الرغم من كونه مقنعاً للغاية من التاريخ للقراء الجدد سيساهم في دحض الأساطير المناهضة لليسار واستعادة القصة الحقيقية"

بينما وصفته ديانا جارفين من جامعة أوريغون بأنه "تكريم قوي ومذهل بصرياً للمقاومين الذين تحدوا الأنظمة الشمولية... تاريخ حيوي يجب أن تُعلم دروسه تفكيرنا حول كيف يمكن أن تبدو المقاومة في الوقت الحاضر"

كما أشاد مارك براي، مؤلف "دليل مناهضة الفاشية"، بالكتاب قائلاً: "إن تايلر وبوهل يلخصان تاريخاً معقداً في سرديات مقنعة وسهلة الفهم تنفجر إلى الحياة من خلال رسوم توضيحية رائعة". هذه التقييمات تشير إلى أن الكتاب نجح ليس فقط كعمل فني، بل كمساهمة مهمة في التوثيق التاريخي والتوعية السياسية.

 الإرث المستمر للمقاومة وقوة القصص المصورة

يخلص كتاب "Partisans: A Graphic History of Anti-Fascist Resistance" إلى أن شجاعة وتضحيات أولئك الذين سبقونا لا تزال تنير الطريق للأجيال الحالية. من خلال الجمع بين القوة السردية للتاريخ والقوة البصرية للفن، 

ينجح هذا العمل في إحياء ذكرى من قاوموا الظلامية بأكثر الوسائل تأثيراً وإبداعاً. الكتاب ليس مجرد سجل للماضي، بل هو دعوة للعمل وإعلان بأن مقاومة الظلم والفاشية هي مسؤولية إنسانية مستمرة.

يبرز الكتاب أيضاً قوة الوسيط المرئي في نقل التاريخ المعقد وجعله في متناول جمهور أوسع. كما يشير بول بوهل، فإن القصص المصورة تظهر كشكل سردي ناشئ وقوي لإحياء هذه القصص وتعزيزها.

 إن تنوع الأساليب الفنية والقصص المروية في "Partisans" يثري فهم القارئ للمقاومة، متحدياً الروايات المبسطة ويظهر كيف أن النضال ضد الفاشية كان جهداً جماعياً شارك فيه أناس عاديون قاموا بأعمال غير عادية.

 في النهاية، يظل الرسالة الأكثر إلحاحاً للكتاب هي أن تاريخ المقاومين يجب ألا يُنسى، وأن مثال شجاعتهم يمكن أن يلهم الإبداع والتصميم في مواجهة التحديات المعاصرة والمستقبلية

إرسال تعليق

0 تعليقات