'The Man Who Would Be King': محمد بن سلمان وتحول السعودية
قدمت الكاتبة كارين إليوت هاوس، الحاصلة على جائزة بوليتزر والخبيرة المخضرمة في الشؤون السعودية، عبر كتابها الجديد "The Man Who Would Be King: Mohammed bin Salman and the Transformation of Saudi Arabia" (هاربر كولينز، 2025)، تصورا عميقًا وشاملًا لأكثر الشخصيات إثارة للجدل في العالم العربي.
اعتمادًا على أكثر من أربعين عامًا من التغطية للعلاقات السعودية ووصولًا نادر إلى الأمير محمد بن سلمان نفسه ومحيطه، يحاول الكتاب فك التناقض الصارخ الذي يميز الرجل: بين المصلح الحداثوي والأمير المكيافيلي الذي لا يتورع عن سحق معارضيه .
فيما يلي ملخص مفصل لمحتويات الكتاب وأطروحاته الرئيسية، يسلط الضوء على الرؤية والصلافة اللتين تحكما مسيرة ولي العهد السعودي.
جدول المحتويات الرئيسية للكتاب
1. الصعود غير المتوقع: من ظل العائلة إلى مركز السلطة
يبدأ الكتاب بسرد كيفية تحول محمد بن سلمان، الابن السادس للملك سلمان، من أمير شاب غير معروف نسبيًا إلى أقوى شخصية في المملكة. تؤكد هاوس أن صعوده لم يكن حتميًا، بل كان نتيجة مزيج من الظروف الشخصية والمهارات التكتيكية .
الجذور والتنشئة: على عكس العديد من أقرانه من كبار الأمراء الذين درسوا في الخارج، بقي محمد بن سلمان عميقة الجذور في الثقافة السعودية، وهي سمة ساعدته في كسب ثقة والده، الملك سلمان، الذي كان يقدر الولاء والفهم المحلي للشؤون .
تذكر هاوس حادثة مبكرة تعكس شخصيته المندفعة والطموحة، مثل شراء سيارة لامبورغيني وهو في المدرسة الثانوية وتحطيمها فورًا، مما يظهر جانبا من التهور والرغبة في تجاوز الحدود .الاستفادة من الفرص: مع تقدم الملك سلمان في السن وخلو الساحة بعد وفاة اثنين من أبناء سلمان الأكبر سنًا، وجد محمد بن سلمان الفرصة ليصبح المقرب الأكبر لوالده. قام والده بتعيينه في مناصب بالغة الحساسية بشكل متسارع، خاصة وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي، مما منحه سيطرة مفاجئة على المؤسسة العسكرية وعلى الوصول إلى أبيه الملك .
الاستحواز النهائي على السلطة: تشرح هاوس بالتفصيل كيف قام محمد بن سلمان، بعناية، بتهميش منافسه الرئيسي، ولي العهد آنذاك محمد بن نايف، الذي كان يحظى بتقدير كبير من قبل الأجهزة الأمنية والولايات المتحدة.
من خلال تفكيك دائرة بن نايف وتقليص صلاحياته، تمكن محمد بن سلمان من استبداله رسميًا كولي للعهد في يونيو 2017، في خطوة أظهرت براعة سياسية وعدم تردد في التخلص من المنافسين داخل العائلة المالكة .
2. رؤية 2030: التحول الاقتصادي والاجتماعي الطموح
يركز القسم الأكبر من الكتاب على "رؤية 2030"، التي يصفها محمد بن سلمان بأنها مشروعه التاريخي لتحرير الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط وإحداث تغيير جذري في النسيج الاجتماعي للمملكة. تقدم هاوس هنا ولي العهد كـ"visionary" طموح يحاول القيام بقفزة تاريخية .
التنويع الاقتصادي والمشاريع العملاقة: تنتقد هاوس بشكل غير مباشر حجم الإنفاق الهائل على "المشاريع العملاقة" مثل نيوم و"ذا لاين"، المدينة المستقبلية التي تسير بالذكاء الاصطناعي والممتدة لمسافة 100 ميل، ولكنها تسلط الضوء على الطموح الكامن وراءها. الهدف هو بناء اقتصاد قائم على السياحة والتقنية العالية والطاقة الخضراء، وبالتالي خلق فرص عمل لملايين الشباب السعودي الذين يشكلون حوالي 70% من السكان .
تحرير المجتمع من القيود المحافظة: تذكر الكاتبة أن أحد أكثر الإنجازات التي تلقى ترحيبًا داخليًا من قبل جيل الشباب هو كبح سلطات "الهيئة" (الشرطة الدينية) بشكل كبير، مما سمح بظهور مساحات للترفيه لم تكن موجودة من قبل، مثل دور السينما والحفلات الموسيقية والفعاليات الرياضية .
وتشير بشكل خاص إلى قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة كرمز لهذا التحول، رغم أنها توضح أن هذه الإصلاحات كانت "ممنوحة من الأعلى" وليست نتيجة ضغوط مجتمعية، وأنها لم ترافق بتحرر سياسي .إعادة تعريف الهوية السعودية: يجادل محمد بن سلمان، حسب الكتاب، بأنه لا يقوم بتدمير التراث، بل يعيد السعودية إلى جذورها كمجتمع "معتدل ومتوازن ومنفتح على العالم". يقوم بهذا من خلال تقليص تحالف الدولة التاريخي مع المؤسسة الوهابية، والتي يرى أنها أصبحت عقبة في وجه التحديث .
3. الجانب المظلم: القمع والتركيز المطلق للسلطة
مع تقديم صورة المصلح، لا تتغاضى كارين هاوس عن الجانب الآخر لولى العهد، والذي تسميه "Machiavellian prince".
الكتاب يوضح أن الإصلاحات في السعودية تتم في إطار نظام استبدادي يرفض أي شكل من أشضاء المعارضة أو المحاسبة .
حملة ريتز كارلتون (2017): بعد أشهر فقط من تعيينه وليًا للعهد، قام محمد بن سلمان بحبس المئات من أفراد العائلة المالكة وكبار رجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون في الرياض تحت ستار "مكافحة الفساد". بينما رأى جزء من الرأي العام السعودي في هذه الخطوة إجراءً جريئًا ضد النخبة الفاسدة، يرى الكتاب أنها كانت في جوهرها "قبضة حديدية" لتخويف وترهيب أي صوت معارض محتمل داخل العائلة المالكة نفسها، بالإضافة إلى استيلاء فعلي على أصول مالية ضخمة .
سحق المعارضة: تؤكد هاوس أن محمد بن سلمان "لا يسمح بأي معارضة سياسية ولا يهتم كثيرًا بحقوق الإنسان". فقد قام بسجن نشطاء حقوقيين ورجال دين وصحفيين، بل وحتى الأمراء الذين قد يشكلون تهديدًا لموقعه. هذا خلق مناخًا من الخوف والرقابة الذاتية، حيث لم يعد أحد يجرؤ على انتقاد سياساته علنًا .
قضية جمال خاشقجي: تخصص هاوس مساحة للحديث عن جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، والتي وصفتها بأنها "الحدث الذي شوه صورة محمد بن سلمان الدولية".
ورغم أنها تشير إلى أن محمد بن سلمان أنكر أي علم مسبق بالجريمة، إلا أنها تذكر أنه "اعترف بمسؤوليته" بشكل عام كونها تمت بأيدي عملاء تابعين لهيئات أمنية سعودية.
بعض المراجعات، مثل مراجعة "ببليشرز ويكلي"، لاحظت أن هاوس تصف الحادث على أنه "عملية إعادة شخص خاطئة"، وهو وصف قد يبدو متساهلًا للبعض في ظل فظاعة الجريمة .
4. السياسة الخارجية: لاعب إقليمي رئيسي
يحلل الكتاب استراتيجية محمد بن سلمان في التعامل مع العالم، حيث يسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين المصالح المتضاربة.
العلاقة مع الولايات المتحدة: تظهر العلاقة على أنها "علاقة حب وكره". يريد محمد بن سلمان أن تبقى الولايات المتحدة الضامن الأمني الأساسي للمملكة، ولكنه يشعر بالإحباط من "تقلب" السياسة الأمريكية، خاصة خلال إدارة بايدن التي انتقدت المملكة على حقوق الإنسان .
هذا الدافع هو ما يدفعه إلى التنويع الاستراتيجي، من خلال بناء علاقات أوثق مع روسيا والصين، ليس كبديل كامل، ولكن كوسيلة للضغط على واشنطن وإظهار أن لديه خيارات أخرى .إيران والصراع الإقليمي: ينبع عداء محمد بن سلمان لإيران من نظرة جيوسياسية تنافسية، ويظهر ذلك جليًا في الحرب في اليمن التي قادها ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
تعترف هاوس بأن الحرب تحولت إلى "مستنقع دموي ومكلف" وأدت إلى أزمة إنسانية كبرى، مما تسبب في انتقادات دولية حادة للمملكة .التطبيع مع إسرائيل: تذكر الكاتبة أن جزءًا من الرؤية الكبرى لمحمد بن سلمان هو بناء جسر تجاري بين آسيا وأوروبا، وتقع إسرائيل في قلب هذه الخطة. لذلك، فهو حريص على التطبيع مع إسرائيل، لكنه يواجه معضلة: التطبيع يتطلب من المملكة الحصول على معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة، والتي بدورها مرتبطة بالتقدم في عملية السلام مع الفلسطينيين.
ومعارضة الشباب السعودي (القاعدة الشعبية لمحمد بن سلمان) للسياسات الإسرائيلية في غزة تجعله حذرًا من المضي قدمًا في التطبيع دون ضمانات جدية للفلسطينيين .
5. هل سيكون ملكًا؟ التحديات والمستقبل
يختتم الكتاب بالتساؤل عن المستقبل، وهو تساؤل متضمن في العنوان نفسه "الرجل الذي "سيكون" ملكًا" (Would Be).
تشير هاوس إلى أن الطريق أمام محمد بن سلمان للخلافة الرسمية (إلى جانب السلطة الفعلية) شبه مؤكد، لكنها تترك مساحة للتساؤل عما إذا كان بمقدوره تحقيق كل أحلامه الطموحة .
التحديات الداخلية: أكبر تحدٍ هو الاقتصاد. إذا فشلت "رؤية 2030" في خلق الوظائف للملايين من الشباب السعودي، أو إذا انهارت أسعار النفط فجأة، فقد يؤدي الإحباط إلى زعزعة استقرار النظام. بالإضافة إلى ذلك، فإن القمع السياسي قد يخلق غليانًا تحت السطح على المدى الطويل .
التساؤل حول الخلافة: على الرغم من تركيز السلطة الكبير في يد محمد بن سلمان، تذكر هاوس أن النظام في النهاية هو "نظام عائلي".
فالعائلة المالكة الكبيرة، التي تم تهميش العديد من أفراده، قد تنتظر فرصتها إذا أخطأ محمد بن سلمان أو إذا تدهورت صحته. الاستقرار الذي بناه قد يكون هشًا لأنه يعتمد على شخص واحد إلى حد كبير .الإرث المزدوج: في النهاية، تقدم كارين هاوس تصورا لرجل يسعى لتركيز إرثه كـ"بطرس الأكبر" السعودي، المصلح العظيم الذي قاد بلاده إلى الحداثة.
لكنها أيضًا لا تتجاهل مقارنات أخرى ممكنة، مثل "إيفان الرهيب" أو نابليون، الذين جمعوا بين الإصلاح والاستبداد المطلق . إرثه سيبقى موضوع جدل: هل هو منقذ المملكة أم طاغيتها الحديث؟
ملخصا
يقدم كتاب "The Man Who Would Be King" بواسطة كارين إليوت هاوس تحليلاً غنيًا ومعقدًا لمحمد بن سلمان وتحول السعودية. قوة الكتاب تكمن في التوازن النسبي؛ فهو لا يقدم صورة بطولية لمصلح ليبرالي، ولا يقدم صورة كاريكاتورية لطاغية وحشي.
بدلاً من ذلك، يصور التناقض الأساسي في حكم محمد بن سلمان: التحرير الاقتصادي والاجتماعي مقترنًا بالقمع السياسي المطلق. الكتاب يعتمد بشكل كبير على الوصول الشخصي والمقابلات الحصرية، مما يمنح القارئ نظرة من داخل دائرة صنع القرار.
ومع ذلك، فإن هذا الوصول نفسه يثير تساؤلات لدى بعض النقاد، مثل "ببليشرز ويكلي"، حول ما إذا كان قد جعل التحليل أحيانًا "غير نقدي بشكل صارخ" عند مناقشة المشاريع الضخمة أو تفسير بعض الأحداث المظلمة مثل قضية خاشقجي .
باختصار، هذا الكتاب هو مرجع أساسي لأي شخص يسعى إلى فهم القوى التي تشكل المملكة العربية السعودية الحديثة والشرق الأوسط الأوسط.
إنه يوضح كيف أن مستقبل إحدى أهم الدول في العالم لا يزال يتشكل في معمل تجارب يجمع بين الأحلام الكبرى والمخاطر الأكبر، بقيادة رجل واحد يجسد كل تناقضات هذا العصر
0 تعليقات