Dinner with King Tut: How Rogue Archaeologists Are Re-creating the Sights, Sounds, Smells, and Tastes of Lost Civilizations
"عشاء مع توت عنخ آمون: كيف يعيد علماء الآثار المتمردون إحياء مشاهد وأصوات وروائح وأذواق الحضارات المفقودة" لسام كين
رحلة حسية عبر الزمن
يأخذنا الكاتب الأمريكي سام كين في كتابه الجديد "عشاء مع توت عنخ آمون: كيف يعيد علماء الآثار المتمردون إحياء مشاهد وأصوات وروائح وأذواق الحضارات المفقودة" في رحلة استثنائية تغوص في أعماق التاريخ الإنساني من خلال علم الآثار التجريبي، وهو تخصص علمي مبتكر يهدف إلى فهم الماضي ليس فقط من خلال دراسة آثاره المادية، بل من خلال إعادة تجربة حياتهم اليومية بحواسنا الخمس .
الكتاب بمثابة دعوة للقاءات مباشرة مع أسلافنا، حيث لا يكتفي كين بسرد الحقائق التاريخية، بل يشارك بنفسه في تجارب غريبة ومثيرة، من صيد الحيوانات بالرماح البدائية إلى تحنيط الأسماك، ومن خبز الخبز المصري القديم إلى إطلاق المنجنيقات العملاقة .
الهدف هو سد الفجوة بين فهم المجرد للماضي وإدراكنا الحسي له، وكما يقول كين: "إن القطع الأثرية الموجودة على الرفوف، خلف الزجاج، يمكن أن تأخذنا فقط إلى هذا الحد في عقول الآخرين. للوصول إليهم على هذا المستوى الأعمق، نحتاج إلى أن نسكن عالمهم... نحتاج إلى أن نشعر بنسيج حياتهم" .
يغطي الكتاب مساحة زمنية هائلة تمتد من 75,000 سنة قبل الميلاد في إفريقيا إلى القرن السادس عشر في المكسيك، جغرافيًا، تمتد الرحلة من الجليد في ألاسكا إلى جزر بولينيزيا النائية، ومن مصر الفرعونية إلى إمبراطورية روما والصين .
حيث يلتقي الواقع بالخيال
يتميز الكتاب بهيكل سردي فريد يجمع بين الدقة العلمية والحبكة القصصية، مما يمنح القارئ تجربة غامرة ومتعددة الأبعاد .
أسلوب السرد المزدوج
في كل فصل، يتبنى كين نهجًا مزدوجًا :
قصص خيالية تاريخية: يبدأ كل فصل بقصة خيالية تدور حول شخصية تعيش في الحقبة التاريخية موضوع الفصل. هذه القصص، على الرغم من كونها خيالية، إلا أنها تستند إلى بحث أثري شامل. نلتقي بشخصيات مثل "أسانا"، الصيادة البيروفية التي تستخدم قاذف الرماح (الأطلاتل) لاصطياد فريستها، أو "أمون"، الخباز المصري خلال بناء الأهرامات . هذه القصص تهدف إلى نقل الحالة الإنسانية والهموم اليومية لأولئك الأشخاص، مما يجعل التاريخ أكثر إنسانية وتأثيرًا.
قصص تجريبية واقعية: بعد ذلك، ينتقل كين إلى العالم الحديث ليسرد مغامراته الشخصية وتجارب علماء الآثار التجريبيين الذين يعملون على إعادة بناء تلك الممارسات القديمة. هنا، ينقل لنا التحديات العملية، والإنجازات غير المتوقعة، والدروس المستفادة من محاولة العيش كما عاش الأسلاف .
هذا المزج بين الخيال والواقع كان واحدًا من أكثر جوانب الكتاب إثارة للجدل والإعجاب.
بعض المراجعين وجدوا القصص الخيالية فعالة ومؤثرة، بينما رأى آخرون أنها كانت أكثر من كونها آسرة من الناحية الأدبية .
ومع ذلك، فإن الغرض الأساسي منها – وهو جعل القارئ يشعر بالارتباط العاطفي والإنساني بالشخصيات التاريخية – يتحقق بشكل كبير .
نبرة كين السردية
يتميز أسلوب سام كين بالروح الفكاهية، والفضول العلمي الشديد، والتواضع المعرفي. لا يخفي كين تعثره وفشله في العديد من التجارب، مثل فشله في صنع خبز الجوز الخاص به أو معاناته أثناء دباغة الجلود بأدمغة الغزلان .
هذا النهج الذاتي يجعل القراءة مسلية ويسهل متابعتها، كما أنه يبرز بشكل ملموس صعوبة المهام التي كانت تبدو بديهية لأسلافنا .
رحلة عبر الحضارات
ينقسم الكتاب إلى 11 فصلًا، كل منها يركز على حضارة أو فترة زمنية محددة . يوضح الجدول التالي نطاق الرحلة التي يقوم بها القارئ:
المنهجية العلمية وراء المغامرة
ما هو علم الآثار التجريبي؟
يعرف كين علم الآثار التجريبي بأنه نهج عملي لفهم الماضي من خلال إعادة بناء الأدوات والتقنيات والتقاليد القديمة . بدلاً من الاكتفاء بدراسة القطع الأثرية في المختبرات أو المتاحف، يذهب هؤلاء العلماء إلى الميدان ليفعلوا كما فعل الأسلاف .
هم "علماء خارجون عن المألوف" كما يصفهم كين: يصنعون المومياوات البشرية، ينحتون الرماح ويذهبون للصيد، يبنون قوارب خطرة وينطلقون بها في البحر المفتوح – كل ذلك في سبيل تجربة التاريخ كما كان، بكل مخاطره وخيباته ومفاجآته السارة .
الفجوة الحسية في التاريخ التقليدي
يدفع كين بأن التاريخ التقليدي أهمل الجوانب الحسية للحياة اليومية لأسلافنا .
علم الآثار التقليدي ماهر في إخبارنا كيف بدا الماضي: شكل المباني، تخطيط المدن، مواقع مدافن النفايات.
لكنه يقصر في الإجابة على أسئلة أساسية: ما طعم خبز المصريين القدماء؟ كيف رائحة الجلد أثناء دباغته؟ كيف كان صوت اصطدام سيوف الفايكنغ؟ علم الآثار التجريبي يحاول سد هذه الفجوة من خلال إشراك الحواس الخمس، مما يوفر رؤى لا يمكن للتحليل التقليدي وحده الكشف عنها .
قيمة التجربة العملية
من خلال تجاربه، يبرز كين عدة فوائد لهذا النهج العملي :
اختبار النظريات: في حالات مثل بناء الأهرامات أو تحنيط الموتى، حيث لا توجد سجلات تاريخية كافية، تسمح التجربة العملية للباحثين باختبار الفرضيات واستبعاد ما هو غير عملي. على سبيل المثال، التجارب أظهرت أن استخدام الدحرجة على جذوع الأشجار لبناء الأهرامات كان غير فعال، مما دفع إلى نظريات بديلة .
طرح أسئلة جديدة: عملية إعادة البناء نفسها تدفع الباحثين إلى طرح أسئلة لم يكن ليخطر ببالهم طرحها لوظلوا يدرسون القطع الأثرية فقط. كيف تؤثر الرطوبة على عملية تخمير الجعة؟ كم من الوقت يستغرق طحن الحبوب لصنع رغيف خبز واحد؟
تقييم الصعوبة والتخصص: تجربة كين مع جراحة "الثقب" (Trepanation) على رأس غزال باستخدام أدوات حجرية علمته بشكل ملموس مدى صعوبة ودقة المهام الطبية القديمة، مما عزز تقديره للمهارات التي امتلكها أسلافنا .
أبرز التجارب والاكتشافات في الكتاب
من الخبز المصري إلى صلصة السمك الرومانية
الطعام هو أحد أفضل المداخل لعالم أسلافنا الحسي، وكين يخصص مساحة كبيرة له .
- خبز توت عنخ آمون: قابل كين "سيموس بلاكي"، مصمم ألعاب إكس بوكس تحول إلى "عالم مصريات طعامي"، والذي قضى عامًا كاملاً في إتقان وصفة الخبز المصري القديم.
جمع بلاكي الخميرة من الأواني الفخارية القديمة باستخدام معدات ميكروبيولوجيه معقمة، وصنع قوالب طينية مقلدة، وبنى أفرانًا على الطراز الفرعوني في فناء منزله.
النتيجة كانت خبزًا "لذيذًا بحموضة خفيفة" لدرجة أنه - كما يؤكد كين - سينال استحسان أي متذوق في نيويورك أو باريس . الغاروم الروماني: هذه صلصة السمك التي كانت شائعة في روما القديمة، وتصنع من تخمير أسماك صغيرة مع الملح. وصفها كين بأنها "كريهة الرائحة" لكنه اكتشف أنها في الواقع تعزز النكهات بطرق مدهشة وتشبه الصلصات المخمرة في المطابخ الآسيوية الحديثة .
- خبز الجوز: حاول كين صنع خبز الجوز الذي كان طعامًا أساسيًا للقبائل الأمريكية الأصلية في كاليفورنيا. العملية شاقة وتتضمن جمع الجوز، تكسيره، نزع قشرته المرّة، ثم طحنه إلى دقيق باستخدام أدوات بدائية.
من آلات بناء الأهرامات إلى المجانيق
- إطلاق المنجنيق: وصف كين تجربة إطلاق منجنيق (trebuchet) ضخم بارتفاع 30 قدمًا في يوتاه بأنها كانت من أكثر التجارب متعة في الكتاب. قال: "إنه يشبه تحريك أصابعك ومشاهدة تنين ينبعث إلى الحياة - ضخم وأنيق في آن واحد" .هذه التجربة لا تعلمنا عن القوة العسكرية فحسب، بل عن التحديات الهندسية التي واجهها القدماء في تشييد الآلات المعقدة.
من التحنيط إلى جراحة الدماغ
صنع مومياء: في تجربة "مقرفة ولكنها مثيرة للاهتمام" كما يصفها، قام كين بتحنيط سمكة باستخدام التقنيات المصرية القديمة. العملية كشفت عن التعقيد الكيميائي والبيولوجي الذي امتلكه المصريون لحفظ الأجسام .
- جراحة "الثقب" (Trepanation): كما ذكرنا سابقًا، قام كين بإجراء جراحة لإزالة جزء من جمجمة غزال باستخدام أدوات حجرية من حجر السج. اكتشف أن حجر السج يمكن أن يكون حادًا جدًا، أكثر من مشرط جراحي حديث، لكنه يتلف بسرعة.
علماء الآثار المتمردون: وجوه وراء الإحياء
يقدم كين في كتابه مجموعة متنوعة من الشخصيات التي تدفع بعلم الآثار التجريبي إلى الأمام :
الأكاديميون المتحمسون: علماء آثار ذوو أوراق اعتماد أكاديمية يدركون أن بعض الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها إلا من خلال التجربة العملية.
الهواة "بالمعنى الإيجابي": أفراد من خلفيات مهنية مختلفة (طاهٍ، مصفف شعر، نجار) شغفهم بموضوع معين دفعهم إلى تطبيق خبرتهم العملية على الألغاز الأثرية. في بعض الحالات، صحح هؤلاء الهواة نظريات أكاديميين يفتقر الي المعرفة العملية، مثل طاه فهم خطأ في وصفة تاريخية أو مصفف شعر أدرك استحالة تسريحة شعر رومانية كما وصفتها الأبحاث .
مجتمعات السكان الأصليين: بالنسبة لهذه المجتمعات، هذا العمل ليس مجرد "آثار" بل هو استعادة للتراث الثقافي. تعاون كين مع أفراد من قبائل كاليفورنيا لتعلم صنع خبز الجوز، حيث كانوا هم المعلمين الذين يصححون للمحترفين كيفية عيش أسلافهم . هذا الجانب من الكتاب يظهر حساسية كين وأهمية هذا المجال في سد الفجوات الثقافية التي خلفها الاستعمار.
الجدل الأكاديمي وتقييم النقد
التوتر مع التيار الأكاديمي الرئيسي
يقر كين بأن علم الآثار التجريبي لا يخلو من منتقديه داخل الأوساط الأكاديمية . يشكك بعض علماء الآثار التقليديين في إمكانية التوصل إلى استنتاجات تاريخية حقيقية من خلال التجربة، ويعتبرون هذا التخصص بمثابة "مسرح" أو نتاج "نقص في الشخصية" كما يسخر كين .
أسباب هذا التشكيك تكون في بعض الأحيان مبررة: إذا لم يكن الباحث حريصًا في اختيار المواد أو تصميم التجربة، يمكن أن تؤدي إلى نتائج مضللة. ومع ذلك، يجادل كين بأن النهج العلمي الصارم يمكن أن يجعل من التجربة وسيلة قوية لاستكشاف الماضي .
نقاط القوة والضعف في الكتاب
نقاط القوة:
إمتاع المعرفة: الكتاب ممتع وغني بالمعلومات، ويكسب القارئ تقديرًا جديدًا للماضي من خلال التجارب الحسية المباشرة .
الوصول إلى جمهور عريض: ينجح كين في جعل علم الآثار التجريبي في متناول القارئ غير المتخصص بل وشيقًا له .
الإثراء الثقافي: التركيز على المعرفة الأصلية وإسهامات المجتمعات المحلية يضيف عمقًا أخلاقيًا وثقافيًا مهمًا للكتاب .
نقاط الضعف المحتملة:
الاتساع على حساب العمق: النطاق الزمني والجغرافي الواسع للكتاب يعني أن بعض الحضارات حظيت بلمحة سريعة دون الغوص العميق .
عدم تماسك البنية السردية: بعض القراء قد يجد الانتقال بين الفصول والحضارات مفككًا بعض الشيء، مما يجعل الكتاب يشبه سلسلة من المقالات المترابطة بدلاً من حجة موحدة .
تبسيط بعض النظريات: في سعيه لجعل المحتوى شيقًا، قد يقدم كين بعض النظريات (مثل طريقة بناء الهرم) على أنها أكثر إقناعًا مما يعترف به المجتمع الأكاديمي الأوسع .
لماذا يهمنا العشاء مع توت عنخ آمون؟
في نهاية المطاف، "عشاء مع توت عنخ آمون" هو أكثر من مجرد سرد مغامرات غريبة. إنه دعوة لتغيير طريقة تفكيرنا في التاريخ وأنفسنا.
في عصرنا الرقمي، حيث أصبحت حياتنا مجردة بشكل متزايد من الواقع المادي، تذكرنا هذه التجارب بالمهارات الملموسة والتحديات الحسية التي شكلت الوجود البشري لآلاف السنين .
الكتاب ينجح في "تأنيس" أسلافنا. عندما يكتب كين أن الناس في الماضي "كانوا مجرد بشر، لا يختلفون عنا"، فإن هذا الشعور لا يبدو مبتذلاً لأنه استثمر الوقت والجهد لجعل تلك الصلة ملموسة .
من خلال تجارب أصابعنا المتسخة برائحة الجلود، وآلام أكتافنا من طحن الحبوب، وبهجة تذوق خبز نجحنا في خبزه بأنفسنا، يصبح التاريخ شيئًا نعيشه لا نقرأه عنه فقط.
"عشاء مع توت عنخ آمون" هو إنجاز مبهج وغني بالمعلومات، يثبت أن أفضل طريقة لفهم الماضي هي أحيانًا عدم التنقيب عنه، بل إحياؤه
0 تعليقات