أحكي قصتها

أحكي قصتها

 

Tell Her Story: Eleanor Bumpurs & the Police Killing That Galvanized New York City

 "أخبر قصتها: إليانور بامبرز والقتل الشرطي الذي حشد مدينة نيويورك" للكاتبة لاشون هاريس

تنويه

يُعد كتاب "أخبر قصتها: إليانور بامبرز والقتل الشرطي الذي حشد مدينة نيويورك" للكاتبة والمؤرخة لاشون هاريس عملاً تاريخياً عميقاً يسبر أغوار حادثة مأساوية اهتزت لها مدينة نيويورك في عام 1984، وغيرت إلى الأبد طبيعة النشاط المجتمعي وأشعلت حركة مستمرة ضد عنف الشرطة والعنصرية.

 الكتاب، الصادر في السادس والعشرين من آب/أغسطس 2025 عن دار بيكون بريس، ليس مجرد سرد للوقائع بل هو غوص في حياة إليانور بامبرز، الجدة السوداء المسنة ذات الإعاقة، التي قُتلت على أيدي رجال الشرطة خلال عملية إخلاء قسري من شقتها، لتصبح رمزاً للظلم ومحفزاً لحركات "قل اسمها" التي تلت.

كتبت هاريس هذا الكتاب من موقع الشاهد والمعايش، فقد كانت تبلغ من العمر عشر سنوات وتعيش مقابل منزل إليانور حين وقعت الحادثة، وشعرت بتداعيات المأساة في مجتمعها بشكل عميق. 

تجمع هاريس بين دقة الأكاديمي وأسلوب السرد القصصي المؤثر، مستخدمة شهادات شهود عيان، ووثائق قانونية، ومنشورات حقوقية، ومقابلات مع عائلة بامبرز، لا سيما ابنتها ماري، لتقديم صورة إنسانية غنية تكشف عن الحياة المعقدة لإليانور بامبرز والسياقات الاجتماعية-الاقتصادية والسياسية التي أدت إلى مقتلها.

الفصل الأول: حياة إليانور بامبرز - من كارولينا الشمالية إلى برونكس

الجذور والهجرة الشمالية

وُلدت إليانور بامبرز في عام 1918 في ولاية كارولينا الشمالية، في كنف عائلة فقيرة. مثل العديد من الأمريكيين الأفارقة في حقبة الهجرة الكبرى، انتقلت لاحقاً إلى نيويورك سعياً وراء حياة أفضل.

 في المدينة، قامت بتربية سبعة أطفال كأم عزباء، تكافح من أجل إعالة أسرتها في مجتمع يكتنفه التمييز والعنصرية البنيوية. كانت إليانور، كما تصفها هاريس، "جدة محبوبة" وامرأة سوداء عاملة كافحت طوال حياتها ضد رياح الإهمال المؤسسي والقيود الاقتصادية.

التحديات الصحية والاقتصادية

مع تقدمها في السن، بدأت تحدياتها الصحية، بما في ذلك التهاب المفاصل ومشاكل أخرى، تتفاقم. كما تدهورت صحتها العقلية ووضعها المالي. 

كانت إليانور تعيش في وحدة سكنية عامة في مجمع سيدجويك هاوسيز في حي موريس هايتس في البرونكس. 

قبل أربعة أشهر من الحادثة، توقفت عن دفع إيجارها البالغ ثمانية وتسعين دولاراً وخمسة وستين سنتاً، مشيرة إلى مشاكل صيانة في الشقة وادعاءات بأنها كانت تُضايق من قبل أحد القاطنين في المبنى. رفضت السماح لعمال الصيانة بالدخول لإصلاح المشاكل، وفي إحدى المكالمات الهاتفية، ألقت باللوم على "ريجان وأعوانه" فيما اعتبرته إهمالاً متعمداً.

الفصل الثاني: يوم الحادثة - التاسع والعشرون من تشرين الأول/أكتوبر 1984

الاستعدادات للإخلاء

في صباح يوم التاسع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 1984، كان الطقس غائماً مع توقع هطول أمطار متفرقة. داخل شقتها، استعدت إليانور لزيارة متوقعة من ابنتها ماري.

 لكن ذلك اليوم لم يكن عادياً. جاء عمال السلطة السكنية لتنفيذ أمر إخلاء بسبب عدم دفع الإيجار. قبل أيام، زارها طبيب نفسي بناء على طلب المدينة وخلص إلى أنها "ذهانية" وغير قادرة على إدارة شؤونها بشكل صحيح، ونصح بتقديم الرعاية الصحية النفسية لها. 

ومع ذلك، قرر مشرفو الخدمات الاجتماعية أن أفضل طريقة "لمساعدتها" هي إخلاؤها أولاً، ثم نقلها إلى المستشفى لاحقاً - قرار يسلط الضوء على فشل النظام وقسوته.

المواجهة المميتة

عند وصولهم، حذرت إليانور العمال بأنها سترمي مادة الغسيل المغلية على الوجه التالي الذي يظهر ببابها. تم استدعاء وحدة الطوارئ الخاصة بشرطة نيويورك، المتخصصة في التعامل مع الأشخاص المضطربين عاطفياً. حاولوا إقناعها بفتح الباب، ولكن دون جدوى.

 قاموا بحفر القفل ورأوا من خلال الفتحة امرأة تبلغ من العمر ستاً وستين عاماً، عارية، تمسك بسكين مطبخ بطول عشرة بوصات. بعد ذلك، اقتحموا الباب بالقوة ودخلوا. وفقاً لتقارير الشرطة، حاولوا احتوائها باستخدام دروع بلاستيكية وقضيب على شكل حرف Y، لكنها قاتلت بحرية.

 أطلق الضابط ستيفن سوليفان النار عليها مرتين من بندقيته ذات الماسورة المزدوجة. أصابت الطلقة الأولى يدها (مسببة بتر عدة أصابع، وفقاً لبعض الشهادات)، بينما أصابتها الطلقة الثانية، القاتلة، في صدرها.

وصف الضباط لاحقاً أنها كانت "تهددهم بالسكين" وتبلغ وزناً يقارب ثلاثمائة رطل (ما يعادل مئة وستة وثلاثين كيلوغراماً)، وهو ما رددته وسائل الإعلام المؤيدة للشرطة "كما لو كان الوزن جريمة" في حد ذاته، وفقاً لناشط تم الاستشهاد به في الكتاب. 

ومع ذلك، تشكك هاريس في رواية الشرطة، وتسائل ضرورة إطلاق النار مرتين، خاصة بعد أن كانت الطلقة الأولى قد طبيعيا تهديدها المفترض بجعلها غير قادرة على الإمساك بالسكين.

الفصل الثالث: التداعيات المباشرة والردود المجتمعية

الصدمة والغضب

هز مقتل إليانور بامبرز المجتمع المحلي في البرونكس ومدينة نيويورك بأكملها. كانت الضحية امرأة سوداء مسنة، تعاني من إعاقات جسدية ونفسية محتملة. 

حقيقة إطلاق النار مرتين - حيث أفادت التقارير الأولية بطلقة واحدة فقط - زادت من غضب المجتمع واستياءه. أصبحت الحادثة شرارة لمظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق ضد وحشية الشرطة والعنصرية. خرج سكان نيويورك إلى الشوارع حاملين لافتات تطالب بالعدالة لإليانور ولضحايا آخرين للعنف الشرطي.

التغطية الإعلامية والرواية المضادة

سارعت نقابة رجال الشرطة إلى الدفاع عن أفعال الضباط، حيث بثت إعلانات إذاعية ومطبوعة تؤكد أن بامبرز كانت "تهديداً شديداً" للضباط، قائلة: "هذه المرأة التي تزن ثلاثمائة رطل هاجمت فجأة أحد الضباط بسكين جزار بطول اثنتي عشرة بوصة، ضربت درعه بقوة  انحنت رفعة النصل الفولاذي". 

من ناحية أخرى، سلطت وسائل الإعلام المستقلة والناشطون الضوء على طبيعتها كجدة مسنة ومعاقة، مسلطين الضوء على فشل النظام في حمايتها وتوفير الدعم المناسب لها بدلاً من اللجوء إلى القوة القاتلة.

الفصل الرابع: المعارك القانونية والبحث عن العدالة

المحاكمات والبراءة

في الثلاثين من كانون الثاني/يناير 1985، قامت هيئة محلفين كبرى by indicting الضابط سوليفان بتهمة القتل غير العمد من الدرجة الثانية. 

ومع ذلك، في الثاني عشر من نيسان/أبريل 1985، أقال القاضي فينسينت أ. فيتالي من المحكمة العليا للولاية التهمة، قائلاً إن أدلة هيئة المحلفين كانت "غير كافية قانونياً" وأن أفعال سوليفان كانت "متوافقة مع المبادئ التوجيهية والإجراءات" لوحدة طوارئ الشرطة.

 أعادت محكمة الاستئناف في نيويورك التهمة في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1986 بموافقة ستة ضد واحد.

اختار سوليفان المحاكمة أمام قاضٍ فقط وليس أمام هيئة محلفين. في المحاكمة، التي استمرت في كانون الثاني/يناير 1987، تركز النقاش حول  استخدم قوة مفرطة، خاصة بإطلاقه النار مرتين. شهد زملاؤه الضباط أنها لم تكن  بعد الطلقة الأولى ولا تزال تشكل تهديداً. حتى أن جراحان تجميليان شهدا كخبراء للدفاع بأنها استمرت في الهجوم حتى بعد إصابة يدها. 

 الطبيب الذي عالجها في غرفة الطوارئ شهادته أمام هيئة المحلفين الكبرى بأن يدها أصبحت "جذعاً دموياً" بعد الطلقة الأولى. في السادس والعشرين من شباط/فبراير 1987، برأ القاضي فريد دبليو إيجرت سوليفان من جميع التهم. لاحقاً، رفض المدعون الفيدراليون، بمن فيهم رودي جولياني، الذي كان النائب العام الأمريكي في مانهاتن آنذاك، إعادة فتح القضية، قائلين إنه لا يوجد دليل على "نية محددة لاستخدام قوة مفرطة وغير مبررة".

التسوية المدنية والعواقب الإدارية

رفعت عائلة بامبرز دعوى قضائية ضد المدينة مطالبة بتعويضات قدرها عشرة ملايين دولار. في آذار/مارس 1990، وافقت المدينة على دفع مئتي ألف دولار فقط للعقارات إليانور، مما أنهى الإجراءات القانونية.

 من الناحية الإدارية، تمت إقالة مشرفين في إدارة الخدمات الاجتماعية في المدينة حتي يسقط في طلب منحة طارئة للإيجار لها ولم يحصلوا على المساعدة النفسية المناسبة لها قبل الإخلاء.

الفصل الخامس: الإرث الثقافي والسياسي - إشعال حركة "قل اسمها"

الاتصال بحالات الوفاة اللاحقة

يؤكد الكتاب أن مقتل إليانور بامبرز لم يكن حادثة معزولة، بل كان جزء من النمط المستمر من عنف الشرطة ضد النساء السوداوات، خاصة ذوات المشاكل النفسية. تربط هاريس بوضوح بين حالتها وحالات لاحقة مثل:

  • ديبورا دانر: امرأة سوداء تعاني من انفصام الشخصية، أطلق عليها الشرطة النار في شقتها في البرونكس في عام 2016. ومن المثير للصدمة أن دانر نفسها كتبت في مقال عام 2012 عن مخاوفها من أن تلقى مصير إليانور بامبرز، قائلة: "علمنا جميعاً بقصص الأخبار المتكررة للغاية عن المصابين بأمراض عقلية الذين يصطدمون بإنفاذ القانون بدلاً من المتخصصين في الصحة العقلية وينتهي بهم الموت مقتولين".

  • ساندرا بلاند: المرأة السوداء التي وجدت مشنوقة في زنزانتها في تكساس في عام 2015 بعد اعتقالها خلال توقيف مروري روتيني.

  • بريونا تايلور: المساعدة الطبية التي قُتلت في منزلها في لويفيل، كنتاكي، خلال مداهمة الشرطة بدون طرق الباب في عام 2020.

حركة "قل اسمها"

يُظهر الكتاب كيف مهد مقتل بامبرز الطريق لحركات العدالة الاجتماعية اللاحقة. 

في عام 2014، أطلقت كيمبرلي كرينشو والمنتدى الأفريقي الأمريكي للسياسات حملة "قل اسمها" التي تهدف إلى تسليط الضوء على قصص النساء السوداوات اللاتي قتلن على أيدي الشرطة واللواتي غالباً ما يتم تجاهلهن في الخطاب السائد حول عنف الشرطة.

 أصبحت إليانور بامبرز أيقونة رئيسية في هذه الحركة.

التجسيد في الفن والثقافة

ظلت ذكرى إليانور بامبرز حية في الوعي الجماعي من خلال أعمال الفنانين والناشطين:

  • الإشارات الموسيقية: غنى المغني لو ريد عنها في أغنيته "تمسك" من ألبومه "نيويورك" (1989).

  • التكريم السينمائي: أهدى المخرج سبايك لي فيلمه "افعل الصواب" (1989) إلى عائلات إليانور بامبرز وضحايا آخرين للعنف.

  • الشعر: كرست الشاعرة والناشطة أودري لورد قصيدة لها بعنوان "للتسجيل".

  • المعارض الفنية: ظهرت صورتها في معارض فنية، مثل معرض "شوارع من؟ شوارعنا" في مركز برونكس الوثائقي (2017)، وفي سلسلة "قاوم" للفنانة البصرية ميكالين توماس (2023).

الفصل السادس: التغييرات المؤسسية وإصلاحات الشرطة

أدى مقتل إليانور بامبرز إلى ضغوط عامة لإصلاح طريقة تعامل الشرطة مع الأشخاص الذين يعانون من أزمات نفسية. 

بعد الحادثة مباشرة، طورت ولاية نيويورك ومدينة نيويورك برنامجاً تدريبياً إلزامياً جديداً لتدريب ضباط الشرطة على العمل بأمان وفعالية مع "الأشخاص المضطربين عاطفياً".

 تم تقديم هذا البرنامج في أكاديميات تدريب الشرطة فرق تدريب مكونة من عناصر شرطة ومتخصصين في الصحة العقلية. 

بالإضافة إلى ذلك، منذ فتره وجيزة بعد وفاتها، بدأ يحمل أفراد وحدة طوارئ شرطة نيويورك أسلحة الصعق الكهربائي كبديل لاستخدام الأسلحة النارية عند التعامل مع المرضى النفسيين، على الرغم من أن فعالية هذه الإصلاحات وإخلاصها في التطبيق لا تزال موضع تساؤل، كما يتضح من حالات الوفاة اللاحقة مثل حالة ديبورا دانر.

الفصل السابع: الشهادات العائلية والألم بين الأجيال

أحد الجوانب الأكثر إثارة للعاطفة في الكتاب هو تركيزه على التأثير المستمر على عائلة بامبرز. من خلال مقابلات مطولة مع ابنتها ماري بامبرز، التي أصبحت ناشطة في أعقاب مقتل والدتها، يكشف الكتاب عن الألم العميق والمستمر الذي خلفه العنف الشرطي.

عندما سُئلت ماري عن إرث قضية والدتها، أجابت بقوة: "الحفاظ على استمرار روحها. إعلام الناس بما حدث لها. عدم السماب بقتل المزيد من الأشخاص على أيدي الشرطة". 

حضرت ماري وأطفالها وأحفدها مسيرات ومناسبات عامة، مثل "مسيرة حالة الطوارئ" في تشرين الأول/أكتوبر 2020، حيث تحدثت حفيدة إليانور، إليانور بامبرز (التي سُميت على اسمها)، باكيًة عن الفقدان والألم بين الأجيال الذي عانت منه العائلة: "لقد أفسد موت جدتي الكبرى عائلتي بأكملها.

 لا يزال الموضوع مؤلماً ويلمس الروح بالنسبة للعائلة... لقد حرمنا عنف الشرطة من تجربة العلاقة الخاصة بين الجدات والأحفاد".

الفصل الثامن: منهجية الكتاب والمساهمة التاريخية

يتميز عمل هاريس بعدة طبقات منهجية:

  1. التاريخ الشفوي: تعتمد بشكل كبير على المقابلات مع أفراد العائلة، الجيران، والناشطين، مما يعطي صوتاً لأولئك الذين تأثروا مباشرة بالحادثة.

  2. التحليل الأرشيفي: تبحث في الوثائق القانونية، وتسجيلات المحاكم، والصحف التاريخية، ومنشورات الحقوق المدنية لإعادة بناء الوقائع بدقة.

  3. السياق التاريخي: تضع قصة بامبرز في سياق أوسع لنيويورك في الثمانينيات، مع تفشي الفقر، وتقليص الخدمات الاجتماعية، وتصاعد العنف الشرطي ضد المجتمعات المهمشة، خاصة السود.

  4. العدسة النسوية السوداء: يحلل الكتاب الطرق التي يتقاطع فيها العرق، والنوع الاجتماعي، والإعاقة، والطبقة لتشكيل تجربة إليانور بامبرز وتأطير استجابات المجتمع والسلطات لمقتلها.

الصراع المستمر

يخلص كتاب "أخبر قصتها" إلى أن مأساة إليانور بامبرز لم تكن مجرد حادثة فردية، بل كانت نتيجة لسياسات اجتماعية قاسية ونظام عدالة جنائية معيب وموروث عنصري عميق الجذور. 

على الرغم من بعض الإصلاحات التي تم تنفيذها، يشير استمرار حوادث القتل المماثلة إلى أن النظام لم يتغير بشكل جوهري.

يدعو الكتاب إلى إعادة تقييم جذرية لكيفية تعامل المجتمع مع الأزمات الصحية النفسية والفقر، مؤكداً على ضرورة استبدال القمع والعنف بالرعاية والدعم. قصة إليانور بامبرز تذكرنا بأن الكفاح من أجل العدالة العرقية والاجتماعية مستمر، وأن تذكر أسماء الضحايا ورواية قصصهم بشكل كامل هو خطوة أساسية نحو المساءلة والتغيير الحقيقي

إرسال تعليق

0 تعليقات