الأيديولوجية الألمانية - أطروحات حول فيورباخ - مقدمة في نقد الاقتصاد السياسي

الأيديولوجية الألمانية


 The German Ideology / Theses on Feuerbach / Introduction to the Critique of Political Economy

  Karl MarxFriedrich Engels

الأيديولوجية الألمانية: النقض الجذري للفلسفة المثالية

 الكتاب وهدفه

كُتب "الأيديولوجية الألمانية" (1845-1846) أثناء وجود ماركس وإنجلز في بروكسل، ولم تُنشر خلال فترة حياتهما، حيث عُثر على المخطوطة ونُشرت لاحقًا في عام 1932 في الاتحاد السوفيتي

كان الهدف الأساسي هو القيام "بتصفية حسابات" مع الفلسفة الألمانية السائدة، وخاصة مع الهيغليين الشباب مثل لودفيغ فويرباخ وماكس شتيرنر وبرونو باور

يرى ماركس وإنجلز أن هؤلاء الفلاسفة يرتكبون خطأ منهجياً جسيماً يتمثل في المثالية، أي الاعتقاد بأن التاريخ يُصنع عبر تطور الأفكار والوعي وحدهما. لقد قدموا نقدًا فلسفيًا دون أن يتساءلوا عن صلته بالواقع المادي الألماني، مما جعل فلسفتهم مجرد "أوهام" و"انعكاسات" مثالية لواقع مادي لم يفهموه.

المادية التاريخية: نظرية تفسير التاريخ
كرد على المثالية، طور ماركس وإنجلز مفهوم المادية التاريخية. تنص هذه النظرية على أن أساس التاريخ البشري وحركته هو الإنتاج المادي لحياة الناس نفسها.

  • الفرضية الأساسية: يبدأ الإنسان بتمييز نفسه عن الحيوان عندما يبدأ في إنتاج وسائل عيشه. ما ينتجه البشر وكيف ينتجونه (أي نمط الإنتاج) هو ما يحدد طبيعة مجتمعهم ووعيهم في نهاية المطاف. بعبارة أخرى، "الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي"، وليس العكس.

  • تطور التاريخ والصراع الطبقي: يقسم ماركس وإنجلز التاريخ إلى أنماط إنتاج مختلفة (مثل المشاعية البدائية، والعبودية، والإقطاع، والرأسمالية). كل نمط من هذه الأنماط يقوم على علاقات إنتاج محددة (من يملك وسائل الإنتاج؟)، مما يخلق بنى طبقية متناحرة. تطور قوى الإنتاج (التكنولوجيا، الأدوات) يؤدي إلى تناقض مع علاقات الإ القائمة، مما يفتح الباب لثورة طبقة مضطهدة تؤسس نمط إنتاج جديدًا.

  • البنى الفوقية والأيديولوجيا: يشرح ماركس وإنجلز كيف أن البنى الفوقية للمجتمع - مثل الدولة، والقانون، والأخلاق، والدين، والفلسفة - هي انعكاسات للعلاقات الاقتصادية السائدة. الأيديولوجيا هي مجموعة الأفكار التي تنتجها الطبقة الحاكمة وتقدمها على أنها مصالح عامة للمجتمع كله، مما يخفي التناقضات الطبقية الحقيقية ويحافظ على هيمنتها.

النقد الموجه للفلاسفة المعاصرين
يخصص القسم الأكبر من الكتاب لنقد الفلاسفة المعاصرين لهما:

الفيلسوفنقد ماركس وإنجلز
لودفيغ فويرباخيعترفان بماديته مقارنة بغيره، لكنه يظل مادية تأمليه (contemplative). يفهم الدين كتجسيد لجوهر الإنسان، لكنه لا يذهب إلى السبب المادي الحقيقي للدين وهو تناقضات المجتمع والطبقات.
ماكس شتيرنريهاجمان فلسفته الفردية المتطرفة (الأنانية) باعتبارها تجريدًا من الواقع. يعتقد شتيرنر أن التحرر يتحقق برفض الأفياء ("المقدس") في عقل الفرد فقط، متجاهلاً الحاجة إلى تغيير مادي وثوري للظروف التي تنتج هذه الأفياء أصلاً.
برونو باور والاشتراكيون "الحقيقيون"ينتقدانهما لانشغالهما بنقاشات فلسفية مجردة بعيدة عن النضال السياسي الحقيقي، مما جعلهما "أكثر المحافظين تشددًا" رغم ادعاءاتهما الثورية.

 نظريات حول فويرباخ: جوهر الفلسفة الجديدة

الخلفية والطبيعة
كُتبت "الأطروحات حول فويرباخ" في عام 1845 كمخطط أساسي للفصل الأول من "الأيديولوجية الألمانية".
 وهي عبارة عن إحدى عشرة ملاحظة فلسفية قصيرة وحادة، لم ينشرها ماركس، ونُشرت لاحقًا كملحق لكُتيب إنجلز "لودفيغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية" في عام 1888.

 تمثل هذه النظريات القفزة النوعية من المادية القديمة إلى المادية الجديدة المرتبطة بالممارسة الثورية.

أبرز الأفكار في الأطروحات

  • الأطروحة الأولى: الممارسة (البراكسيس) يشير ماركس إلى أن العيب الرئيسي لكل المادية السابقة (بما في ذلك مادية فويرباخ) هو أنها تتصور الواقع "في صورة الموضوع، أو في صورة التَأَمُل"، ولكن ليس كنشاط إنساني حسي، كممارسة (Praxis).
     بينما طور المثاليون الجانب النشط للفكر، لكنهم فعلوا ذلك بشكل مجرد. يريد فويرباخ "موضوعات حسية" مستقلة عن أفكار الفكر، لكنه لا يرى النشاط الإنساني نفسه كنشاط موضوعي، ولذلك يفهم الممارسة فقط "بصورتها اليهودية الحقيرة" (إشارة إلى النشاط العملي التجاري، حسب تفسير الماركسيين اللاحقين).

  • الأطروحة الثانية: المعيار هو الممارسة يطرح ماركس معيارًا للحقيقة: "إن السؤال حول إمكانية إسناد حقيقة موضوعية للتفكير البشري – ليس سؤالًا نظريًا، بل هو سؤال عملي.
    ففي الممارسة يجب على الإنسان أن يثبت الحقيقة، أي الواقعية والقوة، والجانب الأرضي لفكره".

  • الأطروحة الثالثة: تغيير الظروف والنشاط البشري ينتقد ماركس المادية التي ترى أن الإنسان هو نتاج الظروف والتربية، فتنسى أن "الظروف تتغير بالبالذات بالإنسان، وأن المُربي نفسه يحتاج إلى أن يُربى". هذه التلاحم بين تغيير الظروف والنشاط البشري لا يمكن فهمه إلا بشكل عقلاني بوصفه ممارسة ثورية.

  • الأطروحة السادسة: جوهر الإنسان يرفض ماركس مفهوم فويرباخ عن "جوهر الإنسان" باعتباره تجريدًا كامنًا في كل فرد منعزل. في الواقع، "جوهر الإنسان هو  (مجموع) العلاقات الاجتماعية". هذه الفكرة هي حجر الزاوية في المادية التاريخية، التي ترى أن طبيعة الإنسان تتشكل تاريخيًا واجتماعيًا.

  • الأطروحة الحادية عشرة: مهمة الفلسفة الجديدة تختتم الأطروحات بأشهر مقولة في فلسفة ماركس: "كان الفلاسفة يفسرون العالم فقط بأشكال مختلفة، ولكن المهم هو تغييره". هذه الجملة تختزل الهدف من كل المشروع الماركسي، وتحول الفلسفة من نشاط تأملي إلى سلاح نظري في خدمة التغيير الثوري للعالم.

 مقدمة لنقد الاقتصاد السياسي: الأسس المنهجية

السياق والأهمية
كُتبت "مقدمة لنقد الاقتصاد السياسي" في عام 1857، وهي تمهيد لمسودة ماركس الضخمة التي طورها لاحقًا في كتاب "رأس المال". 
الإشارة الوحيدة لهذا العمل في نتائج البحث تشير إلى أنه نُشر كملحق في بعض طبعات "الأيديولوجية الألمانية". مع ذلك، تعتبر هذه "المقدمة" نصًا أساسيًا لفهم المنهج الذي اتبعه ماركس في تحليله للمجتمع الرأسمالي.

المنهج الجدلي: من التجريدي إلى الملموس

يشرح ماركس في "المقدمة" منهجه في عرض الاقتصاد السياسي، متميزًا عن منهج البحث. 
يبدأ عملية البحث من الواقع الملموس والظاهر (مثل السكان، الإنتاج) ثم يحلل بالتحري إلى أبسط التحديدات التجريدية (مثل العمل، تقسيم العمل، القيمة). 
لكن عملية العرض يجب أن تسير في الاتجاه المعاكس: تبدأ من أبسط التحديدات التجريدية (مثل السلعة) لتصل تدريجيًا، عبر سلسلة من التوسطات الجدلية، إلى إعادة تركيب الواقع الملموس بكل تعقيداته (مثل رأس المال، الدولة، السوق العالمي) في العقل
هذا "الملموس في الفكر" هو نتيجة عملية تركيب، وليس نقطة بداية فورية.

علاقة البنى التحتية والفوڤقية

في "المقدمة"، يقدم ماركس واحدة من أشهر صيغ المادية التاريخية: "في الإنتاج الاجتماعي لحياتهم، يدخل الناس في علاقات محددة، ضرورية، مستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج توافق درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية. 
مجموع علاقات الإنتاج هذه يشكل البنية الاقتصادية للمجتمع، أي الأساس الحقيقي الذي يقوم عليه بُنًى فوقية قانونية وسياسية، وتوافقها أشكال محددة من الوعي الاجتماعي. 
إن نمط إنتاج الحياة المادية هو الشرط العام لعملية الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية في مجملها. ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل على العكس، فإن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم".

 ترابط الأعمال وإرثها

تشكل هذه الأعمال الثلاثة معًا اللحظة التأسيسية للنظرية الماركسية. بينما تقوم "الأطروحات" بتقديم الأساس الفلسفي الجديد بإيجاز، تقوم "الأيديولوجية الألمانية" بتفصيل هذا الأساس إلى نظرية متكاملة للتاريخ (المادية التاريخية). 

ثم تأتي "مقدمة نقد الاقتصاد السياسي" لتؤسس للمنهج العلمي الذي سيطبقه ماركس لتحليل نمط الإنتاج الرأسمالي نفسه في "رأس المال". يظل الإرث الأهم لهذه النصوص هو تحويلها للفلسفة من نشاط تأملي إلى أداة للتحليل النقدي وسلاح في النضال الثوري لتغيير العالم

إرسال تعليق

0 تعليقات