كيف ينمو الاقتصاد ولماذا يتحطم

كيف ينمو الاقتصاد ولماذا يتحطم


How an Economy Grows and Why It Crashes
 

 نظرة عامة على الكتاب

"كيف ينمو الاقتصاد ولماذا يتحطم" هو كتاب مصور نشر عام 2010 من قبل الأخوين بيتر شيف وأندرو شيف 

يستخدم الكتاب قصة استعارية لجعل المفاهيم الاقتصادية المعقدة في متناول القارئ العادي، وهو من أفضل الكتب مبيعاً وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز وحائز على جائزة getAbstract الدولية للكتاب .

 يعتمد الكتاب على عمل سابق لأبيهما إيروين شيف بعنوان "كيف ينمو الاقتصاد ولماذا لا يفعل ذلك" .

الرسالة الأساسية للكتاب هي تفنيد الفكرة السائدة أن الاستهلاك هو محرك النمو الاقتصادي، ويؤكد بدلاً من ذلك على أن الإنتاج والادخار والاستثمار هي الأسس الحقيقية للازدهار طويل الأمد 

من خلال قصة جزيرة يعتمد سكانها على صيد السمك، ينتقد بشدة السياسات الاقتصادية الكينزية، والتدخل الحكومي المفرط، والإنفاق بالعجز، مؤكداً على كيف تؤدي هذه السياسات في النهاية إلى فقاعات مالية وانهيارات اقتصادية .

 القصة الاستعارية وأساسيات الاقتصاد

تبدأ القصة بثلاثة رجال (Able, Baker, Charlie) يعيشون على جزيرة ويعتمدون على صيد السمك بأيديهم العارية.

 فهم بالكاد يصطادون سمكة واحدة يومياً، وهو ما يكفي بالضبط لبقائهم على قيد الحياة. يمثل هذا اقتصاد الكفاف الذي لا يوجد فيه ادخار أو استثمار أو نمو .

 الادخار، المخاطرة، ورأس المال

تتحول الاقتصاد عندما يقرر Able تحمل المخاطرة وتأخير استهلاكه الفوري:

  • الابتكار والتضحية: بدلاً من صيد السمك ليومه، يمضي يوماً كاملاً جائعاً ليصنع شبكة صيد (أداة رأسمالية) .

  • إنتاجية متزايدة: تسمح له الشبكة بصيد سمكتين في اليوم، مما يخلق فائضاً .

  • تكوين رأس المال: هذا الفائض هو أول شكل من أشكال الادخار. يمكنه الآن توجيه هذا الفائض نحو استهلاك أكثر، أو استثمارات أخرى، أو إقراضه للآخرين .

يوضح هذا المثال البسيط نقطة أساسية: النمو الاقتصادي لا ينتج عن الاستهلاك، بل عن الإنتاجية المتزايدة التي تمكنها المدخرات الحقيقية والاستثمار الرأسمالي 

يرفض الكتاب بشكل قاطع فكرة كينز بأن تشجيع الاستهلاك هو طريق الخلاص الاقتصادي.

 التخصص والتجارة

مع زيادة الإنتاجية، لم يعد Able، Baker، وCharlie بحاجة لتكريس كل وقتهم للصيد. وهذا يمكنهم من التخصص في مهن أخرى.

يصبح أحدهم نجاراً متخصصاً في صناعة القوارب، بينما يبني آخر عجلات لعربة لنقل الأسماك .

يؤدي التخصص إلى:

  • كفاءة أكبر: يصبح كل فرد أكثر مهارة في مهنته المحددة.

  • توسيع نطاق الإنتاج: تخلق المهارات والأدوات المتخصصة سلعاً وخدمات جديدة لم تكن ممكنة من قبل.

  • التجارة: يتبادل الأفراد السلع والخدمات التي ينتجونها بشكل طوعي، مما يفيد جميع الأطراف .

 ظهور النظام المالي

مع توسع الاقتصاد، يصبح تبادل السلع (المقايضة) غير عملي. بشكل طبيعي، تتبنى الجزيرة السمكة كعملة لأنها قابلة للقسمة ومتجانسة ويمكن تخزينها . يؤدي ذلك إلى:

  • تسهيل التجارة: يصبح تبادل السلع أسهل بكثير.

  • تطور النظام المصرفي: يظهر "بنك التوفير الجيد" (Goodbank Savings and Loan) لقبول الودائع من المدخرين وإقراضها للمقترضين المنتجين، مما يوجه المدخرات نحو الاستثمارات الأكثر إنتاجية .

 تدخل الحكومة وتشوهات السوق

مع تطور الجزيرة، يتحد سكانها لتشكيل جمهورية "Usonia". في البداية، تلتزم الحكومة بدور محدود في حماية الحقوق والممتلكات. ومع ذلك، يتوسع هذا الدور تدريجياً، مما يؤدي إلى تشوهات اقتصادية خطيرة .

 "تضخم السمكة" وأخطار النقود الورقية

لتلبية المطالب المتزايدة على الإنفاق، تفصل الحكومة عملتها (ملاحظات بنك السمكة الاحتياطي) عن الأساس الحقيقي للسمك الفعلي، وتبدأ ببساطة في طباعة النقود . يؤدي ذلك إلى:

  • التضخم: مع زيادة كمية الأوراق النقدية دون زيادة كمية السمك الحقيقي، تنخفض القيمة الشرائية لكل ورقة نقدية، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار . يسمي المؤلفون هذه الظاهرة "تضخم السمكة" (Fishflation).

  • ضريبة خفية: التضخم يعمل كضريبة خفية على المدخرين، حيث تنخفض قيمة مدخراتهم . كما يعيد التضخم توزيع الثروة من الدائنين (مثل المدخرين) إلى المدينين (بما في ذلك الحكومة نفسها)، لأن السداد سيتم بعملة أقل قيمة .

 أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع والفقاعات

يتحكم البنك المركزي (الموجود في القصة) في أسعار الفائدة، ويحافظ عليها منخفضة بشكل مصطنع لإرضاء الناخبين وتحفيز "النمو" على المدى القصير . يؤدي ذلك إلى:

  • تشويه الإشارات: تشير أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع إلى أن المدخرات وفيرة، مما يشجع على الاقتراض والإنفاق المفرط بدلاً من الادخار والاستثمار الحقيقي .

  • الاستثمارات الخاطئة: يتم توجيه رأس المال نحو مشاريع استثمارية غير منتجة (مثل الكازينوهات) أو مشاريع محفوفة بالمخاطر لا تتماشى مع تفضيلات المستهلكين الحقيقية .

  • الفقاعات: يؤدي الائتمان الرخيص إلى فقاعات غير مستدامة في أصول مثل الإسكان (الذي يظهر في القصة كـ "فقاعة الكوخ") . عندما تنفجر هذه الفقاعات، يتبعها ركود حتمي .

يوضح الكتاب أن عملية الركود، رغم كونها مؤلمة، هي في الواقع ضرورية وعلاجية. فهي تسمح للاقتصاد بتصحيح التشوهات السابقة، وتصفية الاستثمارات غير المجدية، وإعادة توجيه الموارد نحو الاستخدامات الأكثر إنتاجية والتي تتماشى مع طلب المستهلك الحقيقي 

ومع ذلك، تحاول الحكومات باستمرار منع هذا التصحيح الطبيعي من خلال حزم التحفيز وإنقاذ الشركات الفاشلة، مما يؤدي فقط إلى تفاقم المشاكل الأساسية وتأجيل يوم الحساب .

 الاقتصاد الدولي والعواقب

 العجز التجاري والتبعية

في القصة، تبدأ Usonia في استيراد سلع أكثر مما تصدر، مما يخلق عجزاً تجارياً كبيراً . لتمويل هذا العجز وعجز الميزانية، تقترض الجزيرة بكثافة من جزر أجنبية (مثل "قراصنة الشنغهاي"، الذين يمثلون الصين) . يؤدي ذلك إلى:

  • فقدان القاعدة الإنتاجية: تصبح Usonia اقتصاداً قائماً على الخدمات والاستهلاك، بينما تستمر الجزر الأخرى في الإنتاج والادخار .

  • التبعية للمقرضين الأجانب: تصبح Usonia معتمدة على تدفق رأس المال الأجنبي للحفاظ على مستويات معيشتها. يسمح هذا للدائن الأجنبي بامتلاك نفوذ كبير على اقتصادها .

 تآكل الثقة وهيمنة الدولار

يحذر الكتاب من أن هذا الوضع غير مستدام. في النهاية، سيفقد الدائنون الأجانب الثقة في قدرة Usonia على السداد أو في رغبتها في ذلك، أو في قيمة عملتها. قد يقررون:

  • التوقف عن شراء الديون: مما سيتسبب في ارتفاع أسعار الفائدة بشكل حاد في Usonia.

  • استبدال العملة الاحتياطية: كما تشير نتائج البحث إلى مبادرات مثل BRICS التي تسعى إلى إنشاء عملة بديلة لتحدي هيمنة الدولار .

 الدروس المستفادة والتطبيقات العملية

يستخلص الكتاب عددا من الدروس الاقتصادية والسياسية المهمة:

  الدروس الاقتصادية

المبدأ الاقتصاديالوضع الصحيالتشوه الناتج عن السياسات
محرك النموالإنتاج والادخار التركيز على الاستهلاك والإنفاق 
دور الادخاريمول الاستثمار المنتج ويوفر مرونة يتم تثبيطه عبر التضخم وأسعار الفائدة المنخفضة 
التضخمضريبة خفية على المدخرين وتشوه الأسعار يُصوَّر خطأً على أنه ضروري للنمو 
الركودعملية تصحيح ضرورية للاقتصاد يتم قمعه عبر التحفيز والإنقاذ، مما يطيل الأزمة 
التجارة الدوليةمفيدة للجميع، تخصص للميزة النسبية يُنظر إليها خطأً على أنها "خاسرة للوظائف" فيتم تقييدها 

 توصيات للسياسات

يدعو المؤلفون إلى العودة إلى المبادئ الأساسية للاقتصاد:

  • أسواق حرة: السماح لآليات السوق (العرض، الطلب، الأسعار) بتوزيع الموارد بكفاءة دون تدخل مركزي .

  • مال سليم: العودة إلى نظام نقدي مرتبط بسلعة مثل الذهب لمنع الحكومة من التضخم بشكل تعسفي .

  • حكومة محدودة: تقييد دور الحكومة بحماية الحقوق وإدارة العدالة، وليس توجيه الاقتصاد .

  • انضباط مالي: تجنب العجز المالي والديون العامة المفرطة .

 نصائح للمستثمرين والأفراد

على المستوى الشخصي، يقدم الكتاب نصائح عملية:

  • افهم قيمة الادخار: لا تستسلم لضغوط "الثقافة الاستهلاكية". الادخار هو أساس الأمن المالي والاستثمار المستقبلي .

  • كن حذراً من التضخم: افهم أن النقود الورقية تفقد قيمتها بمرور الوقت. فكر في استثمار جزء من مدخراتك في أصول تحافظ على قيمتها كتحوط ضد التضخم .

  • تجنب الديون غير المنتجة: لا تتراكم بالديون لتمويل الاستهلاك فوق إمكانياتك.

  • فكر عالمياً: مع تراجع هيمنة الدولار، قد تظهر فرص في أسواق دولية أخرى أو في أصول مثل السلع أو العملات المشفرة (كما يقترح أحد المراجعين) .

 تقييم نقدي للكتاب

على الرغم من نجاحه في شرح أفكار معقدة، إلا أن الكتاب ليس بمنأى عن النقد:

  • التبسيط المفرط: يقدم النقاد أن الاقتصاد الحديث معقد للغاية بحيث لا يمكن اختزاله في قصة استعارة بسيطة .

  • تحيز أيديولوجي واضح: الكتاب هو داعية صريح لمدرسة الاقتصاد النمساوي (التي تؤكد على دور السوق الحرة) وهو نقد لاذع للكينزية (التي تؤكد على دور الحكومة). قد يتغاضى عن فوائد بعض أشكال التدخل الحكومي، مثل شبكات الأمان الاجتماعي خلال الأزمات الحادة .

  • إرهاق الاستعارة: بعض القراء قد يجد الاستعارة المستمرة للسمك متعبة أو غير مقنعة، خاصة وأن السمك سلعة سريعة التلف وبالتالي هي أداة نقدية ضعيفة .

 ملخصا

"كيف ينمو الاقتصاد ولماذا يتحطم" ليس مجرد كتاب عن الاقتصاد، بل هو قصة تحذيرية عن العواقب طويلة الأمد لترك السياسات السيئة دون رادع.

 من خلال قصته الجذابة، ينجح الكتاب في توصيل رسالة قوية: الاستهلاك لا يخلق الثروة، والديون لا تخلق النمو، والتضخم ليس حلاً سحرياً.

يدعونا الكتاب إلى التفكير النقدي في السياسات الاقتصادية السائدة ويدفعنا إلى فهم المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الرخاء الحقيقي والمستدام: الإنتاج، الادخار، الاستثمار، والتجارة الحرة. 

سواءً كان القارئ يوافق على تحليله السياسي بالكامل أم لا، فإن الكتاب يقدم أدوات فكرية قوية لفهم الدورات الاقتصادية والأزمات المالية التي تشكل عالمنا

إرسال تعليق

0 تعليقات