"Fault Lines: How Hidden Fractures Still Threaten the World Economy" لراغورام راجان
تمهيد عام
"Fault Lines: How Hidden Fractures Still Threaten the World Economy" هو كتاب اقتصادي مهم صدر في عام 2010 للاقتصادي الهندي البارز راغورام راجان، الذي اشتهر بكونه أحد القلائل الذين تنبؤوا بالأزمة المالية العالمية قبل وقوعها.
حظي الكتاب بتقدير كبير وحصل على جائزة Financial Times و Goldman Sachs لأفضل كتاب في مجال الأعمال لعام 2010، بالإضافة إلى عدة جوائز وتقديرات أخرى مرموقة.
يقدم الكتاب تحليلاً شاملاً للأسباب الهيكلية الكامنة وراء الأزمة المالية العالمية عام 2008، مع التركيز على ما يُسميه "خطوط الصدع" الخفية في الاقتصاد العالمي التي لا تزال تشكل تهديدات خطيرة للاستقرار الاقتصادي العالمي.
يتميز راجان في هذا الكتاب بقدرته على الربط بين عوامل اقتصادية متنوعة مثل عدم المساواة في الدخل، والاختلالات التجارية العالمية، والاختلافات في النظم المالية بين الدول، ليقدم رؤية متكاملة لتحديات الاقتصاد العالمي.
المؤلف والأساس النظري
راغورام راجان: الخلفية والرؤية
راغورام راجان هو اقتصادي معروف شغل منصب محافظ بنك الاحتياطي الهندي، وكان كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي.
اشتهر راجان بتحذيره من الأزمة المالية الوشيكة في مؤتمر جاكسون هول الاقتصادي عام 2005، حيث قدم ورقة بحثية بعنوان "هل جعل التطور المالي العالم أكثر خطورة؟" انتقد فيها بشدة الممارسات البنكية والمخاطر المتنامية في النظام المالي.
في ذلك الوقت، واجهت أفكاره انتقادات واسعة، ولكن بعد الأزمة المالية في 2008، اعتُبرت رؤيته استباقية وبعيدة النظر.
السياق التاريخي للكتاب
صدر الكتاب في أعقاب الأزمة المالية العالمية مباشرة، عندما كان العالم يحاول فهم أسباب الانهيار الاقتصادي وكيفية منع تكراره.
بينما كان الكثيرون يلقون باللوم على عدد قليل من المصرفيين الجشعين الذين اتخذوا مخاطر غير عقلانية، أشار راجان إلى أن الخلل الحقيقي يكمن في هياكل أعمق في الاقتصاد العالمي.
يدفع راجان بأن الخيارات الفردية التي أدت مجتمعة إلى الانهيار الاقتصادي - التي اتخذها المصرفيون والمسؤولون الحكوميون وأصحاب المنازل العاديون - كانت استجابات عقلانية لنظام مالي عالمي معيب تتخلف فيه الحوافز لتحمل المخاطر بشكل كبير عن المخاطر التي تشكلها تلك المخاطر.
التحليل الثلاثي للأزمة
الخط الأول: عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة
يخصص راجان جزءاً كبيراً من كتابه لتحليل تأثير التفاوت المتزايد في الدخل في الولايات المتحدة على الاستقرار المالي.
يوضح من خلال البيانات أن أجور الشخص في المئين التسعين (أي الذي يكسب أكثر من 90% من السكان) زادت بنحو 65% أكثر من الشخص في المئين العاشر خلال الفترة من 1975 إلى 2005.
الأسباب الهيكلية لعدم المساواة
يحدد راجان عدة عوامل ساهمت في اتساع فجوة الدخل:
التحرير الواسع النطاق والمنافسة المتزايدة: أدت سياسات التحرير الاقتصادي إلى تغيير هيكلي في سوق العمل.
التغييرات في معدلات الضرائب: ساهمت السياسات الضريبية في زيادة تركيز الثروة.
تراجع قوة النقابات العمالية: أدى ضعف النقابات إلى تقليل القدرة التفاوضية للعاملين.
زيادة الهجرة: أثرت الهجرة على هيكل الأجور في قطاعات معينة.
الفجوة بين العرض والطلب على العمالة الماهرة: يُعدّ أهم الأسباب وفقاً لراجان، وينتج عن قصور في نظام التعليم.
الاستجابة السياسية الخاطئة وتباطؤ الإصلاح التعليمي
يكشف راجان كيف أدى عدم المساواة المتزايد إلى مزيد من الاستقطاب في المؤسسة السياسية، مما قلل من احتمالية توحد السياسيين عبر الخطوط الحزبية في مسائل الضرائب وإعادة التوزيع. وبدلاً من معالجة الأسباب الجذرية لعدم المساواة، لجأت الإدارات المتعاقبة إلى تسهيل الوصول إلى الائتمان، specifically في شكل ائتمان الإسكان.
مارست الضغوط السياسية لتوسيع نطاق الوصول إلى الائتمان السكني وتملك المنازل ضغوطاً شوهت الإقراض في القطاع المالي
حيث وجهت الوكالات التي ترعاها الحكومة، مثل فاني ماي وفريدي ماك، وكذلك البنوك، الأموال نحو الإسكان منخفض الدخل. ومع شراء الوكالات السكنية كميات كبيرة من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري عالية المخاطر
خلقت هذه الممارسات حوافز منحرفة للوسطاء لتقديم قروض دون التحقق من الجدارة الائتمانية للمقترضين.
فقاعة الإسكان والانهيار
في البداية، أخفت الارتفاع في أسعار المساكن وانخفاض معدلات التخلف عن السداد هذه المشكلات.
ومع استمرار ارتفاع الأسعار بين عامي 1999 و2007، اقترض الأسر ضد حقوق الملكية الموجودة في منازلهم.
في النهاية، عندما توقف ارتفاع الأسعار، اضطر عدد كبير من المقترضين إلى التخلف عن السداد. أدى هذا إلى أزمة الرهن العقاري عالي المخاطر التي عجلت بدورها بالأزمة المالية الأوسع عام 2008.
الخط الثاني: الاختلالات التجارية العالمية
يحلل راجان في هذا المحور الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العالمي، وخاصة العلاقة بين الدول المصدرة والدول المستهلكة.
نموذج النمو القائم على التصدير
تبنت الاقتصادات المتأخرة النمو، خاصة تلك التي أصبحت مستقلة بعد الحرب العالمية الثانية، سياسة النمو بقيادة الصادرات.
عادة، تم توجيه المدخرات الوطنية من خلال نظام مالي يسيطر عليه الدولة إلى مجموعة صغيرة من الشركات المفضلة.
وحميت الحكومات أسواقها المحلية من الواردات الأجنبية من خلال إقامة حواجز دخول في شكل تعريفات جمركية عالية وتقييدات على الاستيراد.
قدمت الحكومات أيضاً حوافز للشركات المحلية لتكون موجهة نحو التصدير، بينما قدمت إعفاءات ضريبية وإعانات لدعم تطورها. أبقت الطلب المنخفض للأسر، والسياسات الحكومية التاريخية، والمصالح المحلية الراسخة المصدرين التقليديين يعتمدون بشدة على الصادرات، ويعتمدون على الطلب الدولي من أجل النمو.
التحول من التوجه التصديري إلى تحقيق الفوائض التجارية
بعد الأزمات المالية في التسعينيات، سعت هذه الدول إلى تحقيق فوائض تجارية بدلاً من مجرد being موجهة نحو التصدير. سمح لهم ذلك أيضاً ببناء احتياطيات النقد الأجنبي.
من أجل استثمار هذه الاحتياطيات، احتاج المصدرون إلى دولة يتجاوز إنفاقها الإنتاج المحلي، إلى جانب نظام مالي قوي قادر على جذب التدفقات الداخلة وكذلك ضمان سلامة هذه الاستثمارات. وجاء جزء كبير من هذه الاحتياطيات ليتم استثماره في الولايات المتحدة.
الدور الأمريكي في امتصاص الفوائض العالمية
تبعاً له، أصبح الاقتصاد الأمريكي المستهلك الأخير للعالم، حيث امتص الفوائض التي وضعها المصدرون في السوق العالمية للسلع.
وفي هذه العملية، أصبحت الدول النامية تعتمد على الإنفاق الأمريكي لتحفيز نموها، مما خلق نظاماً غير مستقراً تعتمد فيه الاقتصادات المصدرة على الاستهلاك الأمريكي المفرط.
الخط الثالث: صراع الأنظمة المالية
يستكشف الكاتب في هذا المحور الاختلافات الجوهرية بين الأنظمة المالية في الدول المتقدمة والدول النامية المتأخرة، وكيف ساهمت هذه الاختلافات في الأزمة.
نظام المسافة الآمنة مقابل نظام قائم على العلاقات
مع محدودية المعلومات المالية في المجال العام، اعتمدت الأنظمة المالية لاقتصادات التطور المتأخر على علاقات الأعمال طويلة الأجل. مما جعلها مختلفة بشكل كبير عن الأنظمة المالية في الاقتصادات المتقدمة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث أدت الشفافية وسهولة إنفاذ العقود إلى تشكيل أنظمة المسافة الآمنة.
جعل عدم التوافق هذا من المحفوف بالمخاطر بشكل كبير بالنسبة لاقتصادات التطور المتأخر أن تقترض من الخارج لدعم الاستثمار والنمو.
بعد أزمات التسعينيات، تخلت هذه الدول عن مشاريع الاستثمار والتوسع المدعوم بالديون. من كونهم مستوردين صافين، أصبحوا مصدرين صافين لكل من السلع ورأس المال.
بعد انهيار الدوت كوم، عندما انهارت استثمارات الشركات في الدول الصناعية، ترك الأمر للولايات المتحدة لتحفيز النمو.
العواقب غير المقصودة على الاستقرار المالي العالمي
أدى هذا التحول إلى خلق بيئة أصبح فيها القطاع المالي الأمريكي هو الرابط الحرج لكن غير المستقر بين أمريكا المحفزة بإفراط والعالم غير المستهلك بشكل كافي.
وفقاً لراجان، "يظهر كيف أن الوصول غير المتكافئ إلى التعليم والرعاية الصحية في الولايات المتحدة يعرضنا جميعاً لخطر مالي أعمق، حتى كما تضع الخيارات الاقتصادية لدول مثل ألمانيا واليابان والصين عبئاً غير مناسب على أمريكا للحصول على سياساتها الصحيحة."
الخطوط الرئيسية الثلاثة للأزمة
خط الصدع | الوصف | الآليات | النتائج |
---|---|---|---|
عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة | تزايد الفجوة بين دخل الأغنياء والفقراء في أمريكا | فجوة المهارات بسبب قصور التعليم، الضغوط السياسية لتوسيع الائتمان | التوسع في الائتمان السكني، فقاعة الإسكان، الأزمة المالية |
الاختلالات التجارية العالمية | دول مصدرة توفر فوائض مقابل استهلاك أمريكي مفرط | سياسات النمو بقيادة الصادرات، بناء احتياطيات النقد الأجنبي | الاعتماد على الإنفاق الأمريكي، تراكم المخاطر في النظام المالي الأمريكي |
صراع الأنظمة المالية | اختلاف الأنظمة بين المسافة الآمنة والقائمة على العلاقات | صعوبة اقتراض الدول النامية، تحولها لمصدري رأس المال | تدفق رؤوس الأموال للولايات المتحدة، تفاقم عدم الاستقرار المالي |
توصيات راجان للإصلاح
معالجة عدم المساواة من خلال تحسين التعليم والضمان الاجتماعي
يدعو راجان إلى معالجة الأسباب الجذرية لعدم المساواة من خلال تحسين جودة التعليم والرعاية الصحية، بدلاً من الاعتماد على الحلول السطحية مثل التوسع في الائتمان.
يقول بأن نظام التعليم يحتاج إلى إصلاح جوهري لسد فجوة المهارات التي تدفع عدم المساواة في الدخل.
إصلاح النظام المالي وإعادة تنظيم الحوافز
يقترح راجان إصلاح النظام المالي لمواءمة الحوافز بشكل أفضل مع المخاطر الفعلية. هذا يتضمن:
تحسين تنظيم القطاع المالي
إصلاح هياكل المكافآت في القطاع المصرفي
ضمان أن الحوافز لا تشجع على تحمل مخاطر مفرطة على حساب الاستقرار طويل الأجل
إعادة التوازن للاقتصاد العالمي
يدعو راجان إلى إعادة توازن النمو العالمي، حيث تتحول الاقتصادات المعتمدة على التصدير نحو تعزيز الاستهلاك المحلي
بينما تعيد الولايات المتحدة ضبط ميزان استهلاكها وادخارها. يشدد على ضرورة أن تتخذ الدول المتقدمة والنامية على حد سواء إجراءات لمعالجة هذه الاختلالات الهيكلية.
التقييم النقدي والاستقبال
ردود الفعل الإيجابية
وصف كلايف كروك، كاتب العمود في فاينانشال تايمز، الكتاب بأنه "تحليل شامل لما حدث بشكل خاطئ"، مشيراً إلى أن راجان "يقدم رؤى حول كيفية تصحيح العيوب في الرأسمالية المالية ويضيء الخيارات الصعبة في السياسة العامة".
كما أشاد رئيس غولدمان ساكس لويد بلانكفين بالكتاب واصفاً إله بأنه "كتاب عميق ومقنع"، مشيراً إلى أن تحليل راجان "لما حدث بشكل خاطئ، وما يجب القيام به لمعالجة العيوب الهيكلية التي تسببت في الأزمة المالية، يجب أن يكون قراءة أساسية لصانعي السياسات والممارسين على حد سواء".
الانتقادات والردود
وجه الاقتصادي بول كروغمان انتقادات لاذعة للكتاب، معارضاً الأطروحة المركزية لراجان التي تذهب إلى أن الحكومة، من خلال تشجيع البنوك على الإقراض للمقترضين منخفضي الدخل، كانت مسؤولة عن الأزمة.
زعم كروغمان أنه "بينما لم تكن الحكومة خالية من اللوم، فإن خطاياها كانت أكثر من خلال الإغفال بدلاً من الارتكاب".
انتقد كروغمان راجان قائلاً: "من الواضح أن الديمقراطيين هم إلى حد كبير الملامون في عالمه"، وأن "تأييد راجان لسردية المحافظين، دون حتى الاعتراف بمشاكل هذا الخط، يأتي عبر طرق زلقه ومراوغة".
منظور نانسي كوهن
أشارت Nancy F. Koehn، مؤرخة في كلية هارفارد للأعمال، إلى أن الكتاب "جدي ومدروس"، لكنها لاحظت أيضاً أن "شيئاً ما مفقود" من تحليل راجان، خاصة "دور الوكالة البشرية — القيادة الفعالة، مشاركة الموظفين، الخدمة العامة من جانب المواطنين المعنيين الذين أصبحوا حديثاً قلقين للعب دور في عالم يتزايد فيه الاعتماد المتبادل".
أهمية الكتاب واستمرار أفكارة
على الرغم من مرور سنوات على صدور الكتاب، لا تزال أطروحاته تحظى بأهمية كبيرة في فهم التحديات الاقتصادية المعاصرة.
يخلص راجان إلى أن الأزمة المالية لم تنتج عن فشل سوق أو فشل حكومي بمفرده، بل عن تفاعل معقد بين الاثنين في سياق اختلالات هيكلية عميقة في الاقتصاد العالمي.
يقدم الكتاب رؤية متكاملة تجمع بين العوامل المحلية والدولية، والاقتصادية والسياسية، لتفسير الأزمة المالية وتقديم حلول لها.
كما يشير أحد المراجعين، فإن الكتاب يترك القارئ مع إحساس بأن حالة الاقتصاد العالمي تشبه "قيادة دراجة نارية بلا فرامل للأنحدار على طريق مبلل ليلاً مع ارتداء نظارات شمسية"، مما يشير إلى كارثة تنتظر الحدوث.
تبقى توصيات راجان ذات صلة في عالم ما بعد الجائحة، حيث تفاقمت العديد من خطوط الصدع التي حذر منها، من عدم المساواة في الدخل إلى الاختلالات التجارية العالمية.
يظل كتاب "Fault Lines" مرجعاً أساسياً لفهم الديناميكيات الهيكلية للاقتصاد العالمي والتحديات التي تواجه صناع السياسات في بناء نظام مالي أكثر استقراراً وشمولية.
0 تعليقات