"أنطوني وكليوباترا" لوليام شكسبير
تمهيد
من أعظم التراجيديات التاريخية لشكسبير، وتقع أحداثها بعد اغتيال يوليوس قيصر مباشرة (42 ق.م - 31 ق.م)، حيث تتناول الصراع بين أعضاء الحكومة الثلاثية في روما: مارك أنطوني، أوكتافيوس قيصر، وليبيدوس.
تعكس المسرحية تناقضات عالمين: صرامة روما العسكرية مقابل ترف مصر الحسّي، وتمثل ذروة نضج شكسبير الفني حيث تحتوي على أكثر من 2700 بيت شعري بلغة مجازية ثرية . كتبها شكسبير بعد ثماني سنوات من "يوليوس قيصر"، مما أتاح له تطوير تحليله النفسي للشخصيات وعمق التصوير العاطفي .
الشخصيات الرئيسية:
الشخصية | السمات الأساسية | التطور الدرامي |
---|---|---|
كليوباترا | جمال ساحر، ذكاء سياسي، نزوات عاطفية | تتحول من ملكة متلاعبة إلى امرأة تضحي بالحياة من أجل الحب |
مارك أنطوني | بطل حربي أسطوري، ممزق بين الواجب والعاطفة | يسقط من قمة المجد العسكري إلى الموت منتحراً بسبب حبه |
أوكتافيوس قيصر | عقلاني، طموح، يفتقر للعاطفة | يستغل ضعف أنطوني ليصبح الإمبراطور أغسطس |
كليوباترا: ليست مجرد امرأة جميلة بل "تمثل جمال العالم ولذة العيش" . تظهر تناقضاتها في مشهد تعذيبها للرسول ثم انقلابها للترحيب به عندما يخبرنا عن دمامة أوكتافيا، مما يكشف عن عمق غيرتها وحب التملك .
أنطوني: يجسد صراع الإنسان بين العقل والقلب، حيث يهجر معارك روما الحاسمة ليلاحق كليوباترا عند فرارها من معركة أكتيوم، صارخاً: "لقد خدعتني هذه المصرية الحمقاء!" ثم سريعاً ما يتراجع: "أعطيني قبلة؛ ويفي هذا بكل شيء" .
أوكتافيوس: يمثل البراغماتية السياسية القاسية، يستخدم أخته أوكتافيا كأداة لتحالف مؤقت، ثم ينقض الاتفاقيات عندما تناسبه المصالح .
البنية الدرامية والأحداث الرئيسية
الفعل الأول: بذور الصراع
تبدأ الأحداث في قصر كليوباترا بالإسكندرية، حيث يهمل أنطوني واجباته كحاكم ثلاثي لروما .
تصل أنباء تمرد زوجته فولفيا ضد أوكتافيوس وموتها لاحقاً، وحروب بومبي ضد الحكومة الثلاثية، مما يضطره للعودة لروما .
كليوباترا تتوسعله ألا يغادر، معتبرة بقاءه دليلاً على حبه .
التحالفات الهشة
في روما، يقترح أغريبا الزواج بين أنطوني وأوكتافيا (أخت أوكتافيوس) لتوطيد التحالف .
أنوباربوس (قائد أنطوني) يشكك في نجاح الزواج قائلاً عن كليوباترا: "العمر لا يمكن أن يذبل جمالها" .
الثلاثي يعقد هدنة مع بومبي، لكن أوكتافيوس ينقضها ويحارب بومبي بعد مغادرة أنطوني .
نقطة التحول
أنطوني يهجر أوكتافيا ويعود لكليوباترا، ويتوّجان نفسيهما حكاماً لمصر والشرق الروماني .
أوكتافيوس يستغل هذا كذريعة للحرب، خاصة بعد إهانة أنطوني لشقيقته .
في معركة أكتيوم البحرية الحاسمة، تنسحب سفن كليوباترا فجأة، ويتبعها أنطوني تاركاً جيشه ليهزم، مما يدمر سمعته العسكرية .
السقوط والانتحار
أنطوني يواجه خيانة صديقه أنوباربس الذي يفر إلى أوكتافيوس، لكنه يموت ندماً عندما يعيد أنطوني أمواله .
في المعركة الأخيرة، تنتشر إشاعة موت كليوباترا، فيطعن أنطوني نفسه، لكنه يموت بين ذراعيها بعد معرفته بحياتها .
كليوباترا ترفض الاستسلام لأوكتافيوس خوفاً من الأسر والإذلال في روما .
الخاتمة التراجيدية
كليوباترا تنتحر بلدغة أفعى كوبرا (رمز الحكمة المصرية القديمة) وهي تتخيل لقاء أنطوني في الحياة الآخرة .
أوكتافيوس ينتهي به الأمر إمبراطوراً، لكنه يعترف بعظمة الحبيبين: "لا يوجد قبر على الأرض سيطوق هذين الزوجين الرائعين" .
الصراع الجيوسياسي والحضاري
روما vs مصر:
روما: تجسد العقلانية، الواجب، الانضباط العسكري. مشاهدها جافة وحواراتها سياسية.
مصر: تمثل العاطفة، الترف، الحسية. مشاهدها غنية بالألوان والموسيقى والاستعارات الشعرية .
الصراع السياسي:
يمثل أوكتافيوس صعود الإمبراطورية الرومانية البيروقراطية.
يمثل أنطوني وكليوباترا عالم الهلنستية المتأخر بثقافته الهجينة، حيث تتحالف كليوباترا مع أنطوني لحماية مصر من الاستعمار الروماني .
البعد السياسي والفلسفي
شبكة الخيانة والولاء:
الخيانة تشكل النسيج الرئيسي للأحداث: خيانة أنطوني لروما، خيانة أوكتافيوس للاتفاقات، هروب أنوباربس .
السلطة تُظهر هشاشة التحالفات: الثلاثي يتفكك بمجرد زوال الخطر الخارجي (بومبي) .
ثنائية الحب والسلطة:
تطرح المسرحية سؤالاً جوهرياً: هل ضحى أنطوني بالإمبراطورية من أجل الحب؟ التحليل العميق يكشف أن علاقتهما كانت مزيجاً من العاطفة والمصلحة:
كليوباترا تستخدم الحب لضمان حماية روما لمصر.
أنطوني يجد في مصر مجداً تضاءل في روما .
اللغة والأسلوب الأدبي
الخصائص الفنية:
الاستعارات البحرية: ترمز للاضطراب العاطفي ("بحر من المتاعب").
الانزياح الزمني: الأحداث تقفز بين روما والإسكندرية بسرعة، تعكس حالة الفوضى.
التهكم الدرامي: حين تطلب كليوباترا من خادمتها وضع "ثعبان الناشر" على صدرها، قائلة: "هلع الطفل الإمبراطور هنا" .
الشعر الغنائي:
تتحول كليوباترا إلى شاعرة في مشهد موتها: "سلاماً يا أنطوني... سأدفع هذه اللعنة المصرية ثمناً لك" .
التأويلات
قراءات متناقضة:
القراءة الرومانسية: تركز على الحب الذي يتجاوز الموت (يان كوت: "الأجمل بين أعمال شكسبير") .
القراءة السياسية: تفسر العلاقة كتحالف مصالح ينتهي بانهيار الاستراتيجيات (كليوباترا تخون أنطوني في أكتيوم لحماية مصر) .
قراءة ما بعد الاستعمار: تظهر مصر كـ"آخر" غامض يُستهوى ويُدان (أوكتافيوس يصورها كتهديد للحضارة) .
كليوباترا :
يقدمها أكثر تعقيداً من المؤرخين: ليست مجرد "محظية" بل امرأة تسعى للحفاظ على مملكتها بكل الوسائل .
الإرث الثقافي
في الأدب العالمي:
ألهمت شخصية كليوباترا أعمالاً مثل:
"كلب الصيد الباسكي" لسيرانو دي برجراك.
"كبرياء وهوى" لأوستن (من خلال شخصية إليزابيث).
مسرحيات شكسبير الرومانية الثلاث ("يوليوس قيصر"، "أنطوني وكليوباترا"، "كوريولانوس") تشكل ثلاثية عن صعود وسقوط الإمبراطورية .
في السينما والمسرح:
جسدت دور كليوباترا ممثلات من سارة برنار إلى إليزابيث تايلور، كل منهن سلطت الضوء على بعد مختلف (المتلاعبة/ العاشقة/ السياسية).
عبقرية شكسبير
"إنها دراسة أنثروبولوجية لصدام الحضارات، حيث يموت العالم القديم (مصر الهلنستية/ الجمهورية الرومانية) ليولد عالم جديد (الإمبراطورية الرومانية).
شكسبير لا يحاكم أبطاله بل يعرض تناقضاتهم: أنطوني البطل والجبان، كليوباترا الملكة والطفلة المتقلبة، أوكتافيوس الحكيم والقاسي.
إنها تطرح أسئلة أبدية: هل الحب قوة تحرر أم دمار؟ هل السياسة فن الممكن أم خيانة المبادئ؟ في النهاية، يبقى موقف أوكتافيوس هو الخلاصة الأبلغ: "سوف تدفن إلى جانب حبيبها أنطونيو، لا يوجد قبر على الأرض سيطوق هذين الزوجين الرائعين"
اعتراف بالهزيمة من المنتصر، وبخلود الحب حتى في فم السياسي
0 تعليقات