كوريولانوس لشكسبير


 

 كوريولانوس لشكسبير

إضاءه

هي واحدة من آخر مآسي ويليام شكسبير، كُتبت بين عامي 1605-1608ه بالتزامن مع "أنطوني وكليوباترا". تعتمد المسرحية على سيرة القائد الروماني الأسطوري غايوس مارسيوس كوريولانوس من كتاب "الحياة الموازية" لبلوتارخ، كما استقى شكسبير خطاب "جسم الدولة" الشهير من أعمال ويليام كامدن .
تجسد المسرحية صراعات طبقية وسياسية كانت تعصف بإنجلترا في عصر شكسبير، خاصة "تمرد ميدلاند" (1607) ضد احتكار الأراضي .


الشخصيات الرئيسية 

  1. كايوس مارتيوس (كوريولانوس):

    • السمات: بطولة عسكرية استثنائية، لكنه يفتقر إلى البراغماتية السياسية. احتقاره للعامة ("شظايا" كما يسميهم) يتجلى في قوله: "الغربان التي تصطاد النسور!" عند رفضه فكرة حكم الشعب .

    • التطور الدرامي: تحوله من بطل قومي إلى خائن منتقم بعد نفيه، ثم ضحيّة لصراعه بين الولاء لأمه وولائه لتحالفه الجديد.

  2. فولومينيا:

    • الأم الطموحة التي تشكّل قيم ابنها. تفضّل موته في ساحة الحرب على عودته مهزوماً: "أفضل أن أراه يموت بشرف على أن يرفض الخدمة ويعيش" . تأثيرها عليه يتجلى في مشهد الالتماس الشهير حيث تثنيه عن تدمير روما .

  3. تولوس أوفيديوس:

    • قائد الفولسكيين وعدو كوريولانوس اللدود. يُظهر تقديراً نادراً لخصمه رغم الكراهية، قائلاً: "لو لم أنتسب إلا لقتالك، لكنتُ سأقول إنني روماني!" . غيوره من تفوق كوريولانوس يدفعه لاغتياله في النهاية.

  4. منينيوس أغريبا:

    • السياسي الحكيم الذي يحاول التوفيق بين الطبقات. خطابه المجازي عن "جسم الدولة" (حيث يمثل البطن الأرستقراطيين والأعضاء العامة) يحاول تهدئة الثوار: "البطن ليس مستودعاً جشعاً، بل يوزع الغذاء للجسد كله" .

  5. بروتوس وسيسينيوس:

    • ممثلا العامة (التربيون) اللذان يستغلان غرور كوريولانوس لإثارة الجماهير ضده. يرمزان إلى خطر الديماغوجية في السياسة .


الصراع الطبقي واسباب اندلاع الحرب

  • المشهد الافتتاحي: تجمع غاضب للعامة في روما بسبب المجاعة واتهام الأرستقراطيين باحتكار الحبوب. يتهمون كايوس مارتيوس بأنه العدو الرئيسي لهم .

  • خطاب منينيوس: يحاول تهدئة الثورة باستخدام مجاز "جسم الدولة"، لكن مارتيوس يدمر جهوده باحتقاره الصريح للعامة: "اذهبوا إلى بيوتكم أيها الشظايا!" .

  • ظهور التحدي العسكري: وصل أنباء عن تقدم جيش الفولسكيين بقيادة أوفيديوس. يرى مارتيوس في الحرب فرصة لتحقيق المجد وإلهاء العامة عن الثورة .

ميلاد البطل

  • يقود مارتيوس الهجوم على مدينة كورايولي رغم صعوبة الحصار. عندما يُحاصَر مع مجموعة صغيرة من الجنود داخل المدينة، يفتح البوابات عنوة ويحقّق نصراً بطولياً .

  • رغم إصابته، يلحق بجيش كومينيوس لمواجهة أوفيديوس. يصارع الأخير في قتال فردي ينتهي بانسحاب أوفيديوس .

  • منح اللقب: كومينيوس يمنحه لقب "كوريولانوس" تكريماً لبطولته في كورايولي .

الصعود والسقوط السياسي

  • ضغط الأم: فولومينيا تُقنع ابنها الترشح لمنصب القنصل رغم كرهه للنفاق السياسي .

  • التردي الدراماتيكي: كوريولانوس يفوز بدعم مجلس الشيوخ، لكن التربيونين (بروتوس وسيسينيوس) يحرضّان العامة على سحب تأييدهم بسبب استعلائه. في لحظة غضب، يهاجم مبدأ الديمقراطية ذاته: "قوة الشعب فوق النبلاء؟ هذه غربان تصطاد نسوراً!" .

  • النفي: الجماهير تطالبه بالنفي بتهمة الخيانة، فيرد: "أنا الذي أنفي روما من وجودي!" .

التحالف مع العدو والانتقام

  • في منفاه، يقدم كوريولانوس نفسه لأوفيديوس في عاصمة الفولسكيين أنتيوم"سأقود جيشكم ضد روما انتقاماً" .

  • تحالف القائدين يُحقق انتصارات ساحقة، وروما تُصاب بالذعر. محاولات الصلح من كومينيوس ومنينيوس تفشل .

 التضحية والمأساة

  • توسل النساء: فولومينيا، مع زوجة كوريولانوس (فيرجيليا) وابنه، تقف أمامه لوقف الهجوم. خطابها يُذكّره بواجبه الأخلاقي: "المصالحة هي الطريق لتصحيح سمعتك" .

  • التراجع والقبول بالمصير: كوريولانوس يتراجع عن تدمير روما، مدركاً أن هذه المصالحة ستكلفه حياته. أوفيديوس يتهمه بالخيانة، ويتم اغتياله في مشهد يُجسّد هشاشة البطل أمام السياسة .


الموضوعات في المسرحية

1. الصراع الطبقي والسلطة

  • الاستقطاب الاجتماعي: تمرد العامة ("البلوبيار") ضد الأرستقراطيين ("الباتريشيان") يعكس أزمات مجتمعية حقيقية في عصر شكسبير، مثل احتجاجات "السياج" (enclosure riots) .

  • دور التربيون: بروتوس وسيسينيوس يمثلان خطر الديماغوجية، حيث يُحرّضان الجماهير ليس لحقوقهم، بل لتدمير خصومهم .

2. الغرور 

  • التراجيديا النفسية: كوريولانوس لا يموت بسبب عيب أخلاقي، بل بسبب تمسكه بقيمه العسكرية في عالم سياسي يتطلب المرونة. شكسبير يُظهر أن بطولته نفسها هي سبب سقوطه .

  • الصراع الداخلي: تحالفه مع أوفيديوس يُظهر تفكك هويته: "لست رومانياً ولا فولسكياً، أنا لوحدي" .

3. القيم الذكورية

  • هيمنة فولومينيا: تُعد من أقوى شخصيات شكسبير النسائية. هيمنتها على ابنها تُظهر كيف تشكّل القيم "الذكورية" (البطولة، العنف) بواسطة إرث أنثوي .

  • التضاد مع فيرجيليا: الزوجة الهادئة التي تمثل الحياة الأسرية، لكن صوتها يُغلب أمام إرادة الأم .

4. الخيانة والولاء

  • الولاء المتشظي: المسرحية تطرح أسئلة وجودية: هل الولاء للوطن؟ للعائلة؟ لشرف الشخصي؟ قرار كوريولانوس بالتراجع عن تدمير روما يخلق "خيانة مضاعفة" لتحالفه مع الفولسكيين ولذاته .

  • السياق التاريخي: شكسبير كتب المسرحية أثناء توترات سياسية في إنجلترا جعلت موضوع "الخيانة" حياً وخطيراً .


الأبعاد الدرامية 

  • البنية السردية: تتبع المسرحية هيكل "السقوط المزدوج" (الانحدار السياسي ثم العسكري)، مع مشاهد قتال ديناميكية تعكس مهارة شكسبير في المزج بين العنف والحوار .

  • اللغة والاستعارات:

    • الجسد: خطاب منينيوس يُمثل المجتمع كجسد عضوي، لكن كوريولانوس يُصور كـ"عضو مقطوع" بعد نفيه.

    • الحيوانات: تشبيه العامة بالغربان والبهائم، تعكس ازدراء الأرستقراطيين .

  • التقابل المشهدي: تناوب المشاهد بين روما (الصراع السياسي) وساحات القتال (الصراع العسكري) يُعرف بـ"التضفير" (plaiting)، ويخلق إيقاعاً درامياً متصاعداً .


الأثر

  • الأداء التاريخي: أول عرض موثق كان عام 1682، لكن أشهر تجسيد هو لورانس أوليفييه (1937، 1959) الذي صمم مشهد موت مذهلاً بالسقوط من منصة عالية .

  • الفيلم السينمائي (2011): رالف فاينز قدّم نسخة حديثة جعلت روما دولة بالية تشبه البلقان، مع تصوير القتال كحرب شوارع. رغم انتقاد بعض العناصر (مثل ظهور جون سنو الإخباري)، إلاّ أن الفيلم أثبت قدرة النص على التواصل مع عصرنا .

  • المرجعية في الأدب: ت.س. إليوت اعتبرها أعظم مآسي شكسبير، بينما أُعيد تفسيرها في سياقات مثل الثورات العربية وصعود الشعبوية .


كوريولانوس

هي نقداً للمجتمعات المنقسمة طبقيّاً، حيث يُصبح البطل ضحية لعدم قدرته على التكيف، والجماهير ضحية لاستغلال نخب جديدة. في عصرنا، حيث تتصاعد الاستقطابات السياسية، تذكرنا المسرحية بأن:

"الغطرسة ليست خطأ الزعماء فقط، بل أيضاً خطأ مجتمعات ترفض فهم أبطالها" .
شكسبير يخلق عمقاً إنسانياً نادراً: كوريولانوس قد يكون عنيداً، لكن مشهده الأخير مع أمه يكشف عن هشاشة تذكّرنا بأن الأبطال أيضاً بشر. هذه المفارقة الإنسانية هي جوهر عبقرية شكسبير الخالدة.


مصادر الاقتباسات:


إرسال تعليق

0 تعليقات