"الفرق والتكرار" لجيل دولوز
(ترجمة بول باتون)
البعد الفلسفي والأطروحة المركزية
الاختلاف في ذاته (Difference in Itself)
تاريخ الفلسفة
يرى دولوز أن الميتافيزيقا الغربية أخضعت الاختلاف لأربعة "أعمدة" تقليدية:
الهوية (Identity): اختزال الاختلاف إلى مجرد تباين بين أشياء مُتطابقة في الجوهر.
التضاد (Opposition): كما عند هيجل، حيث يُولَّد الاختلاف عبر النفي والصراع.
التماثل (Analogy): تفسير الاختلاف عبر تشابه العلاقات (مثل التماثل الإلهي-البشري).
- التشابه (Resemblance): رؤية الاختلاف كنتيجة لانحراف عن نموذج أصلي.هذه الأطر تُخفي الاختلاف الجوهري الذي يسبق الهوية، وهو "الاختلاف في ذاته" غير القابل للمقارنة.
الكون اللاـمُتجانِس
يطرح فكرة "الكون الأحادي" (Univocity of Being) مستندًا إلى دونس سكوتوس وسبينوزا:
"ليس ثمة سوى قضية ميتافيزيقية واحدة: الكينونة أحادية الصوت... صوتٌ واحدٌ يرفع ضجيج الكينونة" .الاختلاف هنا ليس بين "أشياء" بل هو تعبير عن قوى مُفارِقة (immanent) في الكون. يُشبّه دولوز الاختلاف بـ "التفاضل (dx)" في الرياضيات: فكما أن الـ dx يُحدّد منحنى دون أن ينتمي إليه، الاختلاف هو قوة افتراضية (virtual) تُنتِج الواقع دون أن تُختزَل إليه.
التكرار لذاته (Repetition for Itself)
التكرار ≠ العمومية
يميّز دولوز بين:
العمومية (Generality): تعتمد على التماثل والقوانين (مثل قوانين الفيزياء).
- التكرار (Repetition): يعبّر عن التفرّد (Singularity) وينتج الاختلاف.مثال بورخيس: حين يعيد الكاتب "بيير مينار" كتابة "دون كيخوطي" بحرفية، يُصبح العمل مختلفًا جذريًا لاختلاف سياقه التاريخي.
"التكرار هو الاختلاف بلا مفهوم".
التكرار
هو فعلٌ تجاوزي (Transgressive) يهدم القوانين الثابتة:
في العلم: قوانين نيوتن تفترض فراغًا مثاليًّا، لكن التكرار الفعلي يشمل الفوضى واللانظام.
- في الأخلاق: كما عند نيتشه، التكرار يُحرِّر القيم من المطلقات.يظهر هذا في "ثلاثي التكرار": كيركجارد (الإيمان المتناقض)، نيتشه (العود الأبدي)، بيغي (التكرار الخلّاق).
طبقات الزمن (The Three Syntheses of Time)
1. العادة (Habit)
الآلية: انقباض (contraction) الماضي في الحاضر عبر العادة (مثل تكرار حركة السباحة).
الدلالة: يُنتج "ذوات يرقيّة (larval selves)" تُشكّل أساس الإدراك.
المرجعية: هيوم (العادة) وبرغسون (الذاكرة المادية).
2. الذاكرة (Memory)
الآلية: الذاكرة تُحدِث انقطاعات في الزمن، رابطةً أحداثًا غير متجاورة (مثل صدمة ماضوية تُعيد تشكيل الحاضر).
الدلالة: يُنتج "الأنا (I)" كذات واعية.
المرجعية: بروست (الذاكرة اللاإرادية)، لاكان (الرمزية) .
3. الموت (Death)
الآلية: حدثٌ فاصل (مثل جريمة أوديب) يُلغِي الذات الفردية، مُطلقًا "العود الأبدي" النيتشوي.
الدلالة: ولادة "الإنسان اللاـمُسمّى" (الـ Overman) الذي يتجاوز الهوية.
المرجعية: فرويد (غريزة الموت/Thanatos)، جويس (الأدب كفوضى مُنظَّمة).
صورة الفكر (The Image of Thought)
الوهم
ينقض الصورة التقليدية للفكر القائمة على:
افتراض أن "الجميع يعرف..." الحقيقة (مثل ديكارت: "أنا أفكر، إذًا أنا موجود").
- ثنائية الصواب/الخطأ كما في النظام التعليمي، حيث يُحدّد المُعلِّم المشكلة ويُقيّم التلميذ.هذا النموذج يُخفي صعوبة التفكير الحقيقي، الذي يتطلّب مواجهة الغباء (Stupidity) كحالة إنسانية أوليّة.
الفكر كـ "تعلُّم"
يُقارن دولوز التفكير بتعلُّم السباحة:
"تعلُّم السباحة هو تزاوج النقاط المميّزة في أجسادنا مع النقاط المُفرَدة في الفكرة الموضوعية (البحر)، لتشكيل حقلٍ إشكالي".الفكر ليس تمثيلًا لواقعٍ جاهز، بل ممارسةٌ إبداعية مع الفوضى، حيث الاختلافات تُولِّد المشكلات لا الحلول.
الاختلاف والفوضى (Difference and Chaos)
الفوضى
الفوضى (Chaos) عنده ليست فوضى سلبية، بل هي:
مَرضدٌ (Groundless Ground): لا يعتمد على هوية مسبقة.
مليئةٌ باختلافات لامتناهية: مثل "نقاط تفاضلية (dx)" غير قابلة للتكامل.
تنتظم عبر "آلات مجردة (Abstract Machines)": تُبطئ الاختلافات اللامتناهية لتُنتج أنظمةً متماسكة (كالقوانين الفيزيائية أو الأنواع البيولوجية).
الاختلاف (Divergence)
يُعارض دولوز لايبنتز الذي رأى أن "الفرادات (Monads)" تعكس كونًا واحدًا. عند دولوز:
"السلسلتان الأساسيتان متباعدتان... نقطة التقائهما تكمن في الفوضى".المُنبِئ المظلم (Dark Precursor) – كالطاقة الافتراضية – هو ما يربط السلاسل المتباينة، مُنتِجًا الهوية كـ أثرٍ لا كأصل.
الإرث الفلسفي
المفاهيم الأساسية
المفهوم التقليدي | تحوّله عند دولوز |
---|---|
الهوية | الاختلاف الجوهري |
التكرار الآلي | التكرار المُنتِج للاختلاف |
الفكر كتمثيل | الفكر كإبداع ومشكلة |
الفوضى كعدم | الفوضى كمصدر للوجود |
تأثير الكتاب
فلسفيًّا: أسّس لـ "فلسفات الاختلاف" ونقد ما بعد حداثي للميتافيزيقا.
علميًّا: ألهم دراسات في البيولوجيا (التطور كتكرار مُتباين)، والفيزياء (النظم اللاخطية).
- فنيًّا: صار مرجعًا لفنّاني الأداء (التكرار كإبداع)، كما في أداء جوني كاش لأغنية "Hurt".يظل الكتاب تحدّيًا لقارئه: "كتابٌ بوليسي، وخيال علمي" – كما وصفه دولوز – حيث المشكلات تتجدّد مع كلّ قراءة.
"نحن نكتب فقط على حدود المعرفة، عند الحافة التي تفصل معرفتنا عن جهلنا، وتحوّل الواحدة إلى الآخر" – دولوز .
أقسام الكتاب
الفصل | المفاهيم المركزية | المراجع الفلسفية |
---|---|---|
المقدمة | التكرار vs العمومية | كيركجارد، نيتشه |
الاختلاف في ذاته | التفاضل (dx)، الكون الأحادي | لايبنتز، سبينوزا |
التكرار لذاته | التوليفات الزمنية الثلاث | هيوم، برغسون، فرويد |
صورة الفكر | التفكير كتعلُّم، الغباء | ديكارت، أرتو |
الأفكار والتوليف | الفوضى، الآلات المجردة | لايبنتز، لاكان |
0 تعليقات