الليلة الثانية عشرة" لوليم شكسبير
بين الكوميديا والتراجيديا
الخلفية التاريخية والأهمية الأدبية
أما العنوان الثانوي "كما تشاء" فيمنح القارئ حرية تفسير الأحداث وتأويلها، مما يعكس طابع المسرحية المرن بين الهزل والجد .
مكائد الحب
تدور الأحداث في إيليريا (مدينة خيالية على ساحل البحر الأدرياتيكي)، وتبدأ بكارثة غرق سفينة:
فيولا: الشابة التي تنجو من الغرق وتخفي هويتها بأن تتنكر في زي شاب وتسمي نفسها "سيزاريو" لتعمل خادماً لدى الدوق أورسينو. تنجح في دورها لدرجة أن أوليفيا (نبلية ثرية) تقع في حبها، بينما هي نفسها تعشق أورسينو .
سيباستيان: توأم فيولا الذي يُعتقد غارقاً، لكنه يصل إلى إيليريا لاحقاً، مما يسبب تشابكاً هوياتياً عندما يخلط الجميع بينه وبين "سيزاريو" .
مثلث الحب: يتشكل عندما:
أورسينو يحب أوليفيا.
أوليفيا تحب "سيزاريو" (فيولا متنكرة).
فيولا تحب أورسينو.
مكيدة مالفوليو: رئيس خدم أوليفيا المتعجرف يصبح ضحية مؤامرة دبرها السير توبي (عم أوليفيا) وماريا (خادمتها) والسير أندرو (صديق توبي). يضعون رسالة مزيفة تلمح إلى حب أوليفيا له، فيُظهر سلوكاً سخيفاً (كالظهور بجوارب صفراء) فيُعتقد مجنوناً ويُسجن .
مرايا للتناقض
فيولا: تجسد مرونة الهوية الجندرية. حكمتها وعاطفيتها تتعارض مع دورها الذكوري، وتُجبر على التعبير عن حبها لأورسينو بطريقة ملتوية:
"أنا كل بنات أبي وكل أبنائه أيضاً... سيدي، هل أذهب إلى تلك السيدة؟" .
مالفوليو: أكثر الشخصيات تعقيداً. يمثل البروتستانتي المتزمت (البيوريتاني) الذي يسخر منه شكسبير. غروره يجعله أضحوكة، لكن سجنه وتعذيبه يُظهران الجانب التراجيدي في الكوميديا .
أوليفيا: الأرملة الحدادية التي ترفض الحب في البداية حداداً على أخيها، لكنها تستسلم لعواطفها تجاه "سيزاريو" بجرأة غير مألوفة للمرأة في عصر شكسبير.
السير توبي وفيستي: يمثلان روح الفوضى والمرح. توبي السكير المحب للمقالب، وفيستي المهرج الذي تتحول حكمته الساخرة إلى نقد اجتماعي.
تحولات الهوية الرئيسية
الشخصية | الهوية الظاهرة | الهوية الحقيقية | الوظيفة الدرامية |
---|---|---|---|
فيولا | سيزاريو (خادم ذكر) | امرأة نبيلة | خلخلة الأدوار الجندرية |
سيباستيان | الغريب الغارق | أخ فيولا الناجي | حل التشابك الدرامي |
مالفوليو | الخادم الأمين | "المجنون" المُخدع | نقد النفاق والغرور |
الحب، الهوية، والفوضى
1. تحدي الأعراف
التنكر كآلية للبقاء: تمكنت فيولا من دخول عالم الذكور بذكاء، وكشفت هشاشة الفروق بين الجنسين.
تبادل الأدوار: عندما يتزوج سيباستيان من أوليفيا بدلاً من "سيزاريو"، يؤكد أن الهوية قابلة للتبديل، وأن الحب قد يقع على الصورة لا الجوهر.
2. جنون الحب
يصور أورسينو الحب كشهوة متقلبة:
"إذا كانت الموسيقى طعام الحب، فاستمر في العزف" .
عنف العاطفة: يتحدى السير أندرو "سيزاريو" في مبارزة بسبب غيرته، مما يكشف كيف يتحول الحب إلى عدوانية.
3. السخرية
المؤامرة ضد مالفوليو: تبدأ كمزحة لكنها تنتهي بوحشية. سجنه في قبو مظلم وتحطيمه نفسياً يجعلان الجمهور يتعاطف معه رغم غروره .
خطاب شكسبير النقدي: من خلال هذه الشخصية، يهاجم شكسبير النخبوية الدينية والاجتماعية في إنجلترا القرن الـ17.
4. التحدي الطبقي
علاقة السيد/الخادم: تظهر من خلال ماريا (خادمة) التي تتحكم بمصير مالفوليو (رئيس الخدم).
توبي وأندرو: نبيلان فاشلان يعيشان على حساب أوليفيا، مما يسخر من طبقة النبلاء.
الضحك مع الدموع
تُصنف المسرحية كـ"كوميديا" لكن شكسبير يحولها إلى تراجيكوميديا من خلال:
معاناة مالفوليو: مشهد خروجه من السجن وهو يصرخ "سأنتقم منكم جميعاً!" يكسر إيقاع الكوميديا، ويذكرنا بأن السخرية قد تكون قاتلة .
ألم فيولا: مضطرة لإعلان حب سيدها لامرأة أخرى، وهي تعاني صمتاً عاطفياً قاسياً:
"أخبرتها بأنك تحبها... أكثر من أي إنسان!" .
حداد أوليفيا: فقدانها لأبيها وأخيها يجعل سعيها للحب محاولة للخلاص من اليأس.
التحولات الدرامية
الاعترافات :
ظهور سيباستيان يحل التشابك: يتزوج أوليفيا، ويكتشف أورسينو حقيقة فيولا ويتزوجها.
فيولا تكشف هويتها بعبارة شهيرة:
"أنا لا أرتدي سروالاً فحسب، بل في قلبي... فتاة!" .
النهايات:
زواج سيباستيان من أوليفيا بعد ساعات من لقائهما يسخر من "عقلانية" الحب.
مالفوليو يغادر القصر قائلاً: "سأثير الفوضى في الجميع!"، تاركاً جرحاً غير معالج في نهاية "السعيدة" .
التأثير الثقافي
التفسيرات النسوية: فيولا رمز لتحدي المرأة للأدوار المفروضة. بعض العروض المسرحية الحديثة تُظهر أوليفيا وهي تكتشف خدعة فيولا لكنها تتقبلها كاستعارة لمرونة الجندر.
الاقتباسات السينمائية: مثل فيلم "She's the Man" (2006) الذي ينقل الأحداث إلى مدرسة ثانوية .
الخطاب السياسي: شخصية مالفوليو استُخدمت لنقد الأنظمة الاستبدادية، حيث يُقمع المختلف باسم "الأخلاق".
الليلة الثانية عشر
" مرآة لتناقضات الوجود الإنساني:
الحب يُصوَّر كقوة فوضوية تعيد تشكيل الهويات.
الضحك قد يكون قناعاً للقسوة، كما في مصير مالفوليو.
الحرية تكمن في القدرة على أن "تسمي الأشياء كما تشاء"، وهو ما جسده العنوان الثانوي.
تبقى هذه المسرحية تحفة شكسبيرية بلا عمر، لأنها تذكرنا بأن البشر -مثل شخصياتها- يلبسون أقنعة متعددة، ويبحثون عن ذواتهم وسط عواصف الحب والجنون
0 تعليقات