"العملة الجيدة لا تفقد قيمتها" (All's Well That Ends Well) لوليم شكسبير
(تُعرف غالبًا بالعنوان الإنجليزي All's Well That Ends Well) هي إحدى مسرحيات شكسبير "المشكلة" أو "الظلامية"، كتبها غالبًا بين 1604 و1605. تجمع بين عناصر الكوميديا الرومانسية والموضوعات الأكثر قتامة مثل الطبقية الاجتماعية، والجنس، والخداع، والصراع بين الإرادة والواجب.
العنوان العربي الدلالي: ترجمة قوية للعنوان الإنجليزي، فهي تشير إلى أن القيمة الحقيقية (مثل قيمة هيلينا) ستظهر في النهاية وتُكافأ، بغض النظر عن الظروف الصعبة والمظهر الخارجي أو الطبقة الاجتماعية، تمامًا كما أن العملة الجيدة الصادقة تحافظ على قيمتها.
الشخصيات :
هيلينا (Helena): الابنة الشابة والجميلة والذكية للطبيب الشهير جيرارد دي ناربون (Gerard de Narbon). تعيش تحت رعاية الكونتيسة روسيليون بعد وفاة والدها. تحب بيرترام حبًا عميقًا منذ الصغر، رغم الفجوة الطبقية الهائلة بينهما. تتمتع بذكاء حاد، وإصرار لا يلين، ومهارات طبية ورثتها عن والدها.
بيرترام (Bertram): كونت روسيليون الشاب، نجل الكونتيسة. نبيل شاب، وسيم، لكنه متعجرف، متكبر، وغير ناضج. يرفض هيلينا بسبب وضعها الاجتماعي المتواضع ويُظهر سلوكًا غير مسئول ومتهور طوال المسرحية.
كونتيسة روسيليون (The Countess of Rousillon): والدة بيرترام، سيدة نبيلة، حكيمة، طيبة القلب، وتكنّ تقديرًا وحبًا كبيرين لهيلينا، تعاملها كابنتها. تمثل صوت العقل والحنو في المسرحية.
ملك فرنسا (The King of France): ملك عجوز ومريض بمرض عضال (يُشبه الناسور). يكنّ تقديرًا كبيرًا للكونتيسة روسيليون وزوجها الراحل. يمنح هيلينا فرصة لعلاجه، مما يغير مجرى حياتها.
لافاتش (Lafew): لورد مسن، حكيم، وصديق مقرب لكل من الكونتيسة والملك. يلعب دور الوسيط والحكيم الذي يرى الحقائق بوضوح.
باروليس (Parolles): رفيق بيرترام الدائم. شخصية كريهة، متكبرة، جبانة، ومخادعة. يتظاهر بالشجاعة والنبلاء لكنه في الحقيقة انتهازي وخائن. يُعتبر "الظل" السيء لبيرترام ويعكس جوانب سلبية فيه.
ديانا كابوليه (Diana Capilet): شابة جميلة وذكية من فلورنسا، تعيش مع والدتها أرملة. تقع في قلب خطة هيلينا لاستعادة بيرترام.
أرملة فلورنسا (The Widow of Florence): والدة ديانا، تساعد هيلينا في خطتها.
فيولينتا (Violenta) وماريانا (Mariana): جارتي الأرملة وديانا في فلورنسا، تظهران في مشاهد قليلة.
رينيه (Reynaldo): خادم عند الكونتيسة روسيليون.
الحبكة بالتفصيل:
روسيليون وباريس
البداية والحزن: تفتتح المسرحية في قصر الكونتيسة روسيليون بفرنسا. الكونتيسة ورفاقها (بمن فيهم هيلينا ولافاتش) في حالة حداد على وفاة الكونت روسيليون. يُستدعى بيرترام الشاب، الوريث الجديد، إلى بلاط الملك في باريس ليخدمه، بناءً على رغبة والده الراحل.
اعتراف هيلينا: تبوح هيلينا للكونتيسة بحبها الشديد لبيرترام، معترفة بأن هذا الحب يبدو مستحيلًا بسبب تفوقه الاجتماعي. تعبر عن عمق مشاعرها وعدم قدرتها على التحكم فيها. تظهر الكونتيسة تفهمًا وتعاطفًا مع هيلينا، معترفة بقيمتها.
الملك المريض: في باريس، يُكشف أن الملك فرنسا يعاني من مرض خطير، وقد استنفذ جميع أطبائه العلاجات دون جدوى. الجميع متشائمون بشأن شفائه.
لقاء بيرترام وهيلينا: عندما يأتي بيرترام ليودع أمه قبل الذهاب إلى باريس، تلتقي به هيلينا. الحوار بينهما محرج، ويتسم بيرترام بالبرود والتفوق. يدخل باروليس، ويتبادل حديثًا فاحشًا ومستفزًا مع هيلينا حول "العذرية"، مما يكشف عن طابعه الحقير ونظرة بيرترام المتعالية.
قرار هيلينا: مستوحاة من ذكرى مهارات والدها الطبية، ومدفوعة بحبها لبيرترام ورغبتها في تغيير مصيرها، تتخذ هيلينا قرارًا جريئًا: ستسافر إلى باريس وتقدم دواءً ورثته عن والدها لعلاج الملك. ترى في هذا فرصتها الوحيدة لتحقيق المستحيل: الفوز ببيرترام.
الموضوعات :
الطبقة الاجتماعية والزواج: المسرحية تنتقد بشدة تحيزات الطبقة الأرستقراطية وتحديها فكرة الزواج من خارج الطبقة. هيلينا، بذكائها وقيمتها الحقيقية، تثبت أنها تستحق بيرترام، رغم نسبها المتواضع. انتصارها هو انتصار للجدارة على النسب.
الجنس والسلطة: تستكشف المسرحية ديناميكيات الجنس والسلطة. خطة هيلينا تتضمن خداعًا جنسيًا (نومها مع بيرترام وهو يعتقد أنها أخرى). يثير هذا أسئلة أخلاقية حول الموافقة واستغلال الرغبة. توبيخ ديانا لبيرترام في البلاط يسلط الضوء على استغلال الرجال للنساء.
الصدق والمظاهر (المظهر مقابل الجوهر): هذا موضوع مركزي. هيلينا (المتواضعة) ذات قيمة جوهرية عظيمة. بيرترام (النبيل) يتصرف بطرق غير نبيلة. باروليس (المتظاهر بالشجاعة) جبان وخائن. الخاتم (رمز المظهر والنسب) يصبح أداة للكشف عن الحقيقة. المسرحية تؤكد أن القيمة الحقيقية تكمن في الداخل.
الإرادة والثبات (هيلينا): هيلينا هي نموذج للإرادة القوية والثبات على الهدف. حبها غير المتزعزع وإصرارها على تغيير مصيرها، رغم كل الصعاب والرفض والإهانة، هو المحرك الأساسي للأحداث. نجاحها يأتي من ذكائها وعزيمتها.
النضج والمسئولية (بيرترام): بيرترام هو صورة الشاب الأرستقراطي غير الناضج، المتعجرف، والهارب من المسئولية. رحلته (على الرغم من سلبيتها) ومواجهته لخيانة باروليس ثم للحقيقة في النهاية، تمثل مسارًا صعبًا نحو نضج جزئي وإدراك لخطئه.
المرض والشفاء: شفاء الملك المعجزي على يد هيلينا ليس فقط حبكة محورية، بل رمزًا للأمل وإمكانية إصلاح ما هو فاسد (مثل المجتمع الطبقي، أو علاقة بيرترام مع الملك ومع هيلينا لاحقًا).
الخداع كوسيلة: تستخدم المسرحية الخداع بشكل مكثف (هيلينا تخدع الملك بثقتها؟ تخدع بيرترام في الليل، فضح باروليس بالمكيدة، خداع ديانا لبيرترام). تطرح سؤالًا: هل الغاية تبرر الوسيلة؟ خاصة عندما يكون الخداع هو الوسيلة الوحيدة للمظلوم لتحقيق العدالة؟
لماذا هي "":
البطل غير البطولي: بيرترام شخصية غير محبوبة، أنانية، ومتعجرفة حتى النهاية. قبوله لهيلينا يأتي تحت ضغط الاستقالة بعد الكشف عن الحقيقة، وليس بسبب تطور حب حقيقي أو ندم عميق.
العلاقة الزوجية المشوهة: العلاقة بين هيلينا وبيرترام تبدأ بالإكراه (من الملك)، وتستمر بالرفض، وتُحلّ من خلال خداع جنسي. لا تظهر أي علامة واضحة على حب متبادل حقيقي في النهاية.
النهاية المفعمة بالمرارة: رغم العنوان "كل شيء ينتهي بخير"، فإن النهاية تترك شعورًا بعدم الارتياح. هل حققت هيلينا نصرًا معنويًا؟ أم أنها استقرت لزوج لا يستحقها؟ هل تغير بيرترام فعلاً؟ الغفران السريع للجميع (خاصة بيرترام) يبدو متسرعًا.
المواضيع المظلمة: الخداع، الإكراه، التحرش الجنسي المحتمل (تودد بيرترام لديانا)، والخيانة تتعارض مع هيكل الكوميديا الرومانسية التقليدية.
الخلاصة:
مسرحية معقدة ومثيرة للتفكير.
تروي قصة انتصار إرادة المرأة وذكائها على التحيزات الطبقية وغرور الرجل، ولكن بثمن نفسي وأخلاقي كبير.
بينما يتحقق الزواج في النهاية، تظل طبيعة هذا الزواج ومستقبله غامضة ومليئة بالتحديات.
تُظهر المسرحية براعة شكسبير في نسج حبكة معقدة مليئة بالمفارقات والخدع، وفي تقديم شخصيات غنية بالأبعاد (خاصة هيلينا) وموضوعات اجتماعية ونفسية عميقة تتجاوز الإطار الكوميدي البسيط، مما يجعلها عملًا يستحق الدراسة والتحليل الدقيق.
0 تعليقات