ترويلوس وكريسيدا لوليام شكسبير
دراسة تحليلية
المشكلة الغامضة
ضمن ما يُعرف بـ"مسرحيات المشكلة" عند شكسبير، وهي أعمال تتعمد خلط الأنواع الأدبية وتتحدى التصنيف التقليدي بين المأساة والكوميديا. تتميز هذه المسرحية بطابعها الكئيب غير المأساوي، حيث لا يموت البطل الرئيسي لكنها تنتهي بانهيار القيم والحب.
تدور الأحداث في السنوات الأخيرة من حرب طروادة، مستلهِمةً الإلياذة الهوميروسية ولكن بتشاؤم لاذع يهزأ بالمثل البطولية.
السياق التاريخي والأدبي
التأثيرات الأدبية: استقى شكسبير قصته من مصادر متعددة، أهمها قصيدة جيفري تشوسر "ترويلوس وكريسيدا" (1380)، لكنه حوّلها من قصة حب مثالية إلى نقد لاذع للعلاقات الإنسانية .
السياق الثقافي: كُتبت المسرحية في العصر اليعقوبي (بعد 1603)، حيث سادت نزعات التشكك في السلطة والتقاليد، مما يفسر طابعها التهكمي على الأبطال الكلاسيكيين .
الخيانة والضعف
الشخصية | الدور | الصفات البارزة | رمزيتها |
---|---|---|---|
ترويلوس | أمير طروادة الشاب | مثالي، عاطفي، ساذج | الشرف المغدور |
كريسيدا | ابنة الكاهن الخائن كالكاس | متقلبة، واقعية، هشة | الخيانة والبقاء |
بانداروس | عم كريسيدا | متهكم، وسيط علاقات | الفساد الأخلاقي |
هكتور | أمير طروادة | نبيل، شجاع، عقلاني | الفروسية البائدة |
أخيل | المحارب اليوناني | متعجرف، أناني، غادر | انحدار البطولة |
ديوميديس | محارب يوناني | مكّار، طموح، عملي | القوة الغاشمة |
تفكك الحب والحرب
غرام في زمن الحرب
مشهد التأسيس: ترويلوس الشاب الساخر على الحب، يقع فريسة لهيب مشاعره تجاه كريسيدا بعد رؤيتها في معبد طروادة.
دور بانداروس: يتوسّط بين العاشقين، مستخدمًا خطابًا مزدوج اللغة بين الجدّية والسخرية: "الحب اليوم تجارة... ومن لا يغتنم الفرصة يخسر".
الكتاب الثاني: ذروة الوصال وسفك الدماء
ليلة الحب: يجتمع العاشقان في غرفة سرية، لكن مشهدهم العاطفي يقطعه خارجيًا أصوات معارك الحرب، مزجٌ درامي بين العاطفة والعنف.
مشهد التبادل: يُقايض كالكاس ابنته كريسيدا بالأسير أنتينور، في قرار يظهر تفضيل المصالح السياسية على الروابط الإنسانية.
الانهيار المزدوج
خيانة كريسيدا: في المعسكر اليوناني، تخون كريسيدا ترويلوس مع ديوميديس، وتهبه البروش الذي قدمه لها ترويلوس كرمز حب.
مشهد المراقبة: يشهد ترويلوس الخيانة مختبئًا، في تحول درامي يُظهر تفكك صورة الحبيبة المثالية.
موت هكتور: يغدر أخيل بهكتور ويقتله رغم وقف القتال، منهيًا أي أمل في بقاء القيم النبيلة .
سؤال الإنسان في عالم فاسد
1. الخيانة كنسق وجودي
خيانة متعددة المستويات:
عاطفيًا: تخون كريسيدا عهد الحب.
عسكريًا: يخون أخيل قواعد الشرف بقتله هكتور غدرًا.
دينيًا: خيانة كالكاس لوطنه .
تساؤل شكسبيري جوهري: "هل القيمة في الشيء ذاته أم في تقدير الناظر؟" .
2. فساد البطولة
تفكيك أسطورة البطل: أخيل لا يحارب إلا لخدمة سمعته، وهكتور يُقتل غدرًا رغم نبله.
الحرب كمسرح للعبث: الجنود يتصاركون دون معرفة أسباب الحرب، كما يقول تيرسيتس (المهرج): "حرب من أجل عاهرة... هذا هو الجوهر" .
3. الانتقال إلى الرجولة
ترويلوس كنموذج للصدمة الوجودية: تحول من الحب المثالي إلى السخرية القاتمة، تجسيدًا لفكرة "الشباب على حافة الرجولة" الذي يتعرض لخبرات قاسية .
رؤية نقدية: "الظلام يبتلع نقاء الروح كما يبتلع النور" (ترويلوس، الفصل الخامس) .
ابتكارات شكسبيرية
اللغة: من الشعر إلى النثر الفاحش
خطابات مثالية: لغة ترويلوس الشعرية في وصف الحب .
سخرية لاذعة: نثر بانداروس وتيرسيتس المبتذل الذي يهبط بالحب إلى تجارة جسدية .
استعارة المرض: الحرب كمرض يفسد الأجساد والأخلاق: "الغرامُ داءٌ... والحربُ داءٌ" (بانداروس).
البنية: تلاعب بالزمن والمكان
مشاهد متوازية: تقاطُع مشاهد الحب في طروادة مع مشاهد المؤامرات في المعسكر اليوناني.
تضاد دلالي: مشهد الحميمية بين العاشقين (الفصل 2) يعقبه مشهد مجلس الحرب اليوناني .
الاختلافات الجوهرية عن نص تشوسر
الجانب | تشوسر (القصيدة) | شكسبير (المسرحية) |
---|---|---|
تصوير كريسيدا | ضحية ظروف | خائنة بالاختيار |
النبرة | تراجيدية رومانسية | تهكمية سوداوية |
الخاتمة | موت ترويلوس وصعوده روحانيًا | بقاؤه حيًا بقلب ميت |
الرسالة | زوال الملذات الأرضية | فساد العالم كله |
جدل النقاد
رفض معاصر: لم تُقدم على المسرح في عصر شكسبير لقسوتها، ونُشرت دون إذنه .
الحداثة المتأخرة: أعيد اكتشافها في القرن العشرين كـنص نبوئي بنقدها لعبثية الحرب، خاصة خلال الحرب العالمية الأولى .
تحليل تيليارد: يراها نموذجًا لـ"مسرحيات المشكلة" حيث يهتم شكسبير بـ"الفكر التأملي كغاية في ذاته" .
مرآة مشوهة للإنسانية
"ترويلوس وكريسيدا" ليست مجرد مسرحية عن حرب طروادة، بل هي تشريح لانحطاط الحضارة عندما تفقد معاييرها. شكسبير هنا لا يقدم إجابات، بل يطرح أسئلة وجودية: هل الحب وهم؟ هل الشرف مات؟ هل الإنسان مجرد دمية في يد قوى أكبر؟ .
أهمية المسرحية اليوم
في عالم يشهد حروبًا عبثية وانهيار قيم، تظل هذه المسرحية نبوءة شكسبيرية مروعة:
"الجنون أن تثق بالنجوم الواقعة... أو بكلمة من عاشق... أو بسلام في زمن الحرب" (ترويلوس) .
اقتباسات خالدة
بانداروس: "ما الحب إلا جنون يُديره مجانين" .
أوليسيس: "تسوس الأشياء من الرأس... فإذا فسد القائد صار الجندي جيفة" .
كريسيدا: "المرأةُ ملاكٌ إن قبلت... وشيطانٌ إن رفضت" .
مصادر للاستزادة
النص الكامل للمسرحية (ترجمة عربية): مكتبتي PDF
دراسة نقدية: "مسرحيات المشكلة عند شكسبير" (جريدة الاتحاد)
0 تعليقات