تيمون الأثيني لشكسبير


 

 تيمون الأثيني Timon of Athens - وليام شكسبير

 تحليل 

مسرحية شكسبير الأكثر إبهاماً وتعقيداً
 واحدة من أكثر أعمال شكسبير إثارة للجدل والتعقيد، حيث تجسد تحولاً درامياً من المثالية إلى التشاؤم المطلق. 

كُتبت بين عامي 1605-1606 بالتعاون مع الكاتب توماس ميدلتون، ونُشرت في "الطبعة الأولى" (First Folio) عام 1623. تدور أحداثها في أثينا الكلاسيكية، لكنها تعكس نقداً لاذعاً للمجتمع الإليزابيثي وفساد النخب. تُصنف كـ"مأساة" رغم غياب البطل التراجيدي التقليدي، مركزةً على انهيار الإنسان المثالي تحت وطأة الخيانة والجشع .



  1. الأصول التاريخية والفلسفية:

    • استقى شكسبير الحبكة من محاورة الفيلسوف السوري لوقيانوس الشاموشطي (من القرن الثاني الميلادي) بعنوان "تيمون عدو المجتمع". تصور المحاورة زيوس (كبير الآلهة الإغريقية) وهرميس وبلوتوس (إله الثروة الأعمى) في حوار ساخر عن فساد المجتمع. نقلت المحاورة إلى الإنجليزية في عصر النهضة، مما أتاح لشكسبير تطويعها نقدياً .

    • تُمثل المسرحية استمراراً لمواضيع شكسبير عن الخيانة والجحود، كما في "الملك لير"، لكن بتركيز فريد على علاقة المال بالأخلاق.

  2. السياق الاجتماعي:

    • انتقدت المسرحية ظاهرة التملق والرياء في بلاط الملكة إليزابيث الأولى، حيث كان النبلاء يعتمدون على رعاية الأثرياء. يظهر هذا في مشهد المأدبة الأولى، حيث يتزاحم المتملقون حول تيمون طمعاً في عطاياه .


 الشخصيات 

  1. تيمون الأثيني:

    • التحول من الكرم إلى الكراهية: يبدأ كرجل ثري يُغدق الأموال على الجميع: يشتري قصيدة شاعرٍ بسعر خيالي، ويدفع ديون أصدقائه، ويهب خيوله الفاخرة لضيفٍ أعجب بها. لكن إفلاسه يكشف زيف المحيطين، فيتحول إلى "كاره للبشر" يعيش في كهفٍ بالبرية .

    • رمز الثنائية الإنسانية: يجسد التناقض بين المثالية (حين يؤمن بالصدق) والسوداوية (حين يلعن البشر جميعاً).

  2. أبيمانتوس (الفيلسوف المتشائم):

    • ضمير المسرحية النقدي: يهاجم نفاق المجتمع منذ البداية، قائلاً: "ما أكثر الناس الذين يُسيئون إلى تيمون، وهو لا يأبه لغدرهم" .

    • مرآة لتيمون: رغم تشابههما في كراهية البشر، إلا أن أبيمانتوس يتسم بالثبات الفلسفي، بينما تيمون ينقلب فجأةً بعد خيبة الأمل.

  3. فلافيوس (الخادم المخلص):

    • الاستثناء الأخلاقي: يمثل الصدق والإخلاص في عالم فاسد. يحاول تحذير تيمون من تبذيره، قائلاً: "هذا هراء! أنت تمتلك مائة ألف فدان؟ لو كنت تملك العالم لأضعته!" .

    • مأساة العبد النبيل: رغم وفائه، يُرفض مسعاه لأن تيمون يرى فيه مجرد "خادم" لا يُغير حقيقة خيانة البشر .

  4. الأصدقاء الكذبة (لوكولوس، سيمبرونيوس، فينتيديوس):

    • تجسيد للجشع: يرفضون إقراض تيمون بعد إفلاسه رغم إنقاذه لهم سابقاً. لوكولوس مثلاً يزعم أنه "حزين" لعدم تمكنه من المساعدة، بينما يرسل نقوداً للخادم لرشوته .


الحبكة (حسب المشاهد)

 قمة المجد والكرم

  • يقيم تيمون مأدبة فاخرة يحضرها النبلاء والفنانون.

  • يتبرع بسخاء: يدفع ديون "فينتيديوس" ليُخرجَه من سجن المدينين، ويهب "لوسيليوس" مالاً لزواجه من ابنة أثيني ثري .

  • المفارقة الدرامية: وحده أبيمانتوس يهاجم الضيوف: "أنا ذاهب لتحطيم رأس رجل أثيني شريف!" .

 بداية الانهيار

  • يُحذر فلافيوس سيده من الإفلاس بعد أن أنفق ثروته على "الكتاب والفنانين الطفيليين". يرد تيمون بغضب: "لم يعد لدي أراضٍ؟ أنا أملك مئة ألف فدان!" .

  • يطالبه الدائنون بسداد الديون، فيرسل خدمه لاستدانة المال من أصدقائه.

الخيانة والتحول التراجيدي

  • يرفض الأصدقاء المساعدة: لوكولوس يدّعي انشغاله، وسيمبرونيوس يغضب لأنه "لم يُسأل أولاً" .

  • المشهد الموازي: ينفي مجلس شيوخ أثينا القائد العسكري "ألكيبياديس" (صديق تيمون) بعد دفاعه عن ضابط قتل رجلاً "بدافع العاطفة". يتوعد ألكيبياديس بالانتقام .

 مأدبة الانتقام

  • يدعو تيمون أصدقاءه إلى وليمة أخيرة، يقدم فيها أطباقاً مغطاة. عند كشفها، يجد الضيوف حجارة وماءً دافئاً.

  • خطاب الوداع الأيقوني:

    "أتمنى ألا تدعوا وليمة أفضل من هذه، يا أصحاب الأشداق النتنة! [...] أغسل يدي وأتبرأ منكم!" .

  • يرش تيمون الضيوف بالماء ويهرب إلى البرية.

العزلة والموت

  • يعيش تيمون في كهفٍ بالبرية، يتغذى على الجذور.

  • اكتشاف الذهب: أثناء الحفر، يعثر على كنزٍ فيستخدمه للانتقام:

    • يعطي الذهب لألكيبياديس لدعم ثورته على أثينا.

    • يهب جزءاً للعاهرات "فرينيا وتيمندرا" لنشر الأمراض.

    • يمنح الباقي للشاعر والرسام بعد أن يفضح نفاقهما .

  • اللقاء مع فلافيوس: يرفض تيمون عودةً للمجتمع رغم اعترافه: "لديك صديق حقيقي في فلافيوس... لكنه مجرد خادم" .

  • النهاية: يُكتشف قبر تيمون على شاطئ البحر، منقوشاً عليه:

    "تيمون قد مات، هو الذي جاوز الزمان
    ليقرأنّ بعض الوحش هذا: ليس في الوجود من إنسان" .


المواضيع الرئيسية

1. الكراهية كرد فعل على خيبة الأمل

  • تتحول شخصية تيمون من "رمز الكرم" إلى "نبي الكراهية"، حيث يلعن أثينا وأهلها:

    "يا سوراً يطوّق الذئاب! اغص في الأرض! [...] ياطاعة الأبناء اخفقن! .

  • يُظهر هذا التحول كيف يُنتج التطرف في المثالية تطرفاً في اليأس.

2. الذهب: رمز الثروة المزدوجة

  • الذهب في المسرحية ليس مجرد معدنٍ ثمين، بل:

    • أداة فساد: يشتري الولاءات الزائفة في المشهد الأول.

    • وسيلة انتقام: يستخدمه تيمون لتدمير المجتمع الذي خذله.

  • يعكس هذا فكرة شكسبير عن "الذهب كأصل الشرور" في المجتمعات الرأسمالية الناشئة.

3. المرض كاستعارة أخلاقية

  • تطلب العاهرات من تيمون الذهب "لنشر الأمراض"، وهو مشهدٌ يربط بين:

    • المرض الجسدي (مثل الطاعون المنتشر في عصر شكسبير).

    • المرض الأخلاقي (الفساد الاجتماعي) .

4. الصداقة الزائفة في مجتمع السوق

  • يُظهر رفض الأصدقاء لإقراض تيمون أن "الصداقة" في أثينا (ومجتمع شكسبير) سلعةٌ قابلة للشراء:

    • لوكولوس: "كان عليَّ أن أوجل ارتباطاً مهماً حتى آتي هنا، لكن من يستطيع رفض دعوة تيمون؟" .

    • سيمبرونيوس: "جميعنا هنا في هذا الوضع نفسه" (أي عاجزون عن المساعدة!) .


 الجدل النقدي 

  1. هل هي عمل مكتمل؟

    • يُلاحظ نقاد أن بنية المسرحية غير متماسكة مقارنةً بمآسي شكسبير الأخرى. تقسيمها إلى مشاهد متقطعة (بدلاً من فصول) يُرجح أنها كُتبت بشكلٍ تجريبي أو نُشرت غير منقحة .

  2. العلاقة مع أعمال شكسبير الأخرى:

    • تشبه تيمون "الملك لير" في ثقته العمياء بأصدقاء كذبة، لكن لير يموت مدركاً خطأه، بينما يموت تيمون غارقاً في كراهيته.

    • شخصية أبيمانتوس تُذكر بـ"ياغو" في عطيل، لكنه يظل ثابت المبدأ لا خبيثاً .

  3. الإرث الثقافي:

    • ألهمت المسرحة كتاباً مثل برتولد بريخت (في مسرحية "أوبرا القروش")، كما تُدرس اليوم كنموذج لنقد الرأسمالية .


 تيمون بين التراجيديا والأخلاق

هي مرثية للإنسانية المحطمة بفعل الجشع، ودرسٌ في مخاطر الكرم غير العقلاني. 

رغم غموضها، تظل نصاً استثنائياً يُجسد تحول شكسبير المتأخر نحو السوداوية، حيث يتحول البطل من "حب أثينا" إلى "كاره البشر". في قبر تيمون المُكتشف على الشاطئ، لا يُخلد شكسبير مجرد شخصية، بل يُخلد سؤالاً أبدياً:

هل البشر جديرون بالثقة؟
الجواب هنا صادم: الوحوش أصدق من البشر!


ملخصات لكل أعمال شكسبير المسرحية والتاريخية والشعرية

 

إرسال تعليق

0 تعليقات