"ماكبث" لوليم شكسبير
دراسة في الطموح والذنب والجنون
مقدمة تاريخية ونشأة العمل
هي واحدة من أعظم التراجيديات في الأدب العالمي، كتبها شكسبير مستندًا إلى شخصية "ماكبث ملك اسكتلندا" (حكم 1040-1057) من التاريخ الاسكتلندي. لكن شكسبير حوَّل الوقائع إلى دراما نفسية عميقة، مكثفة بلا حبكة جانبية، مما يجعلها أقصر تراجيدياته .
كُتبت في عهد جيمس الأول، الذي كان مهتمًا بالسحر وأصول الملوك، مما يفسر حضور الساحرات ونبوءة استمرار العرش عبر بانكو (السلف الأسطوري لسلالة ستيوارت الحاكمة) .
الشخصيات
ماكبث: جنرال اسكتلندي بطولي تحوله نبوءة الساحرات وطموح زوجته إلى قاتل ملك، ثم طاغية. يمثل تطوره من البطولة إلى الجنون صراعًا بين الضمير والطموح.
ليدي ماكبث: المرأة الطموحة التي تتحدى الأدوار الجندرية في عصرها. تستخدم التلاعب النفسي ("ألست رجلًا؟") لدفع زوجها للجريمة، ثم تنهار تحت وطأة الذنب.
بانكو: الجنرال الشريف، صديق ماكبث الذي يشك في الساحرات لكنه يدفع حياته ثمنًا لنبوءة أن نسله سيكون ملوكًا.
الملك دنكان: الملك العادل الذي يمثل الشرعية الأخلاقية، قتله يرمز لانقلاب النظام الكوني.
ماكدوف: حاكم فايف، المنافس الأخلاقي لماكبث، الذي يثأر لمقتل عائلته ويقتل ماكبث بعد كشفه أنه "مشقوق من رحم أمه" (وليس مولودًا طبيعيًّا) .
ملخص تفصيلي للأحداث (مقسم حسب الفصول)
الفصل الأول: البذرة الشيطانية
المشهد الافتتاحي: تظهر ثلاث ساحرات في عاصفة رعدية، ويتفقن على لقاء ماكبث. مشهدهن يخلق جوًّا من القدر المشؤوم والفوضى الأخلاقية .
نبوءة السلطة: بعد انتصار ماكبث وبانكو على النرويجيين، تظهر الساحرات وتنادين ماكبث:
"سلام يا أمير جلامس" (لقبه الحالي).
"سلام يا أمير كودور" (لقب سيحصل عليه لاحقًا).
"ستكون ملكًا فيما بعد".
وتتنبأن لبانكو: "ستكون أبًا لملوك" .
تأثير النبوءة: يرسل الملك دنكان رسولًا يخبر ماكبث بمنحه لقب "كودور"، مما يوقظ طموحه الخفي. تكتب ليدي ماكبث خطابًا تفصح فيه عن خطتها لقتل دنكان أثناء زيارتهما لقلعتهما .
الفصل الثاني: الجريمة والانهيار الأخلاقي
صراع الضمير: يتردد ماكبث في القتل ("نحن نلقن الآخرين الدرس، لكن سيف العدالة يقطعنا أيضًا")، لكن زوجته تسخر من رجولته وتضع خطة دقيقة:
تسكير حارسي الملك.
استخدام خناجرهما لقتل دنكان ونصب الجريمة لهما .
القتل وتبعاته: بعد الجريمة، يهلوس ماكبث بصوت يقول "لن تنام مجددًا!". تكتشف ليدي ماكبث عجزه عن إتمام الخطة (وضع الخناجر بجوار الحراس)، فتتولى هي المهمة بدم بارد .
الفرار والتتويج: يهرب ابنا دنكان (مالكولم ودونالبين) خوفًا من الاتهام، مما يسهل تتويج ماكبث ملكًا .
الفصل الثالث: الطغيان والهلاوس
قتل بانكو: خوفًا من نبوءة الساحرات، يستأجر ماكبث قتلة لقتل بانكو وابنه فليانس. يُقتل بانكو لكن فليانس يهرب، مما يبقي النبوءة حية .
مأدبة العشاء: يظهر شبح بانكو لجالسًا في مكان ماكبث، فيصاب بالذهول ويهذي أمام الحضور. تضطر ليدي ماكبث إلى تبرير تصرفه ("هذه نوبات اعتاد عليها منذ صغره") .
الساحرات الجدد: يزور ماكبث الساحرات مجددًا، فيتنبأن:
"احذر ماكدوف".
"لا يضرك رجل ولدته امرأة".
"أنت آمن حتى يتحرك غاب بيرنام نحو قلعتك" .
السقوط والمصير
مذبحة عائلة ماكدوف: يقتل ماكبث زوجة ماكدوف وأطفاله انتقامًا من ماكدوف (الذي فر إلى إنجلترا للانضمام لمالكولم) .
انهيار ليدي ماكبث: تمشي وهي نائم، تحاول غسل دماء دنكان الوهمية ("ما كل عطور الجزيرة العربية تعطر هذه اليد الصغيرة!")، ثم تنتحر .
تحقق النبوءات:
جيش مالكولم يتقدم مختبئًا بأغصان أشجار بيرنام (إيهامًا بتحرك الغابة).
ماكدوف يكشف أنه "مشقوق من رحم أمه" (قيصريًّا).
يقطع ماكدوف رأس ماكبث، ويملك مالكولم العرش .
الموضوع
الطموح كمدمر أخلاقي
يُصوَّر طموح ماكبث كمرض: "لديَّ طموح يقفز، لكن وسائله عنيفة" .
ليدي ماكبث تخلط بين الطموح والرجولة ("كن ذئبًا في الشجاعة!")، لكن سقوطها يفضح ثمن تحدي الفطرة الإنسانية .
الذنب والهلوسة
الدم: يتحول من دم دنكان ("كل مياه البحر لن تنقي هذه اليد") إلى سيل دموي يغمر ماكبث في النهاية.
النوم: يرمز للسلام الضائع. بعد القتل، يقول ماكبث: "قتلتُ النوم" .
الأنوثة والذكورة المشوهة
ترفض ليدي ماكبث أنوثتها ("انسَ لبن رحمتك") لتصبح "ذكرًا روحانيًّا"، لكن انهيارها يثبت استحالة تجاوز الفطرة .
القدر والتلاعب
الساحرات لا تجبران ماكبث على الجريمة، بل تستغلان طموحه: "تلاعب بالكلمات لتدمير الملوك" . نبوءاتهن غامضة ("الجميل قبيح والقبيح جميل")، مما يترك مساحة لاختيار البطل .
الرمزية
خنجري القتل: رمز للاختيار الأخلاقي ("أرى خنجرًا أمامي مقبضه نحوي... هل هو حقيقي؟") .
غابة بيرنام المتحركة: ترمز لانقلاب النظام الطبيعي على الطغيان.
اقتباسات شهيرة:
"الحياة... حكاية ترويها أحمق، ملؤها الصخب والغضب، ولا تعني شيئًا" (الفصل الخامس) .
"اخرجي أيتها اللعنة! اخرجي أقول!" (ليدي ماكبث وهي تغسل الدم الوهمي) .
الأثر الأدبي والتكيفات
التراجيديا الشكسبيرية الفريدة: تختلف عن "هاملت" أو "عطيل" بتركيزها على سرعة السقوط (من البطولة إلى الموت في 5 فصول) .
التأثير الثقافي: صارت "ليدي ماكبث" نموذجًا للمرأة الشريرة في الأدب، و"ماكبث" رمزًا للطاغية المأزوم.
تكيفات حديثة: قدِّمت كأوبرا (فيردي)، وأفلام (كوروساوا، بولانسكي)، ومسلسلات ("عصر الملوك") .
ماكبث
" إنها تشريح للفساد الأخلاقي الذي يولده السلطة المطلقة. شكسبير يطرح أسئلة مصيريه : هل مصيرنا محتوم؟ كيف يتحول البطل إلى وحش؟ ومتى يصبح الطموح لعنة؟ في عالم اليوم حيث الطموح السياسي لا يزال يولد جرائم، تبقى "ماكبث" مرآة مظلمة للطبيعة البشرية .
"الخوف هو ذلك الخنجر في الظلام
الذي يخترق وعي المجرمين الهاربين
من عدالة النفس التي لا تنام." — شكسبير في "ماكبث
ملخصات لكل أعمال شكسبير المسرحية والتاريخية والشعرية
0 تعليقات